عبد النبوي:تطور تكنولوجيا المعلومات أدت إلى شيوع استعمالها في ارتكاب جرائم متعددة
اعتبر الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة، محمد عبد النبوي، في كلمة له بمناسبة اليوم الدراسي حول :”إجراءات التعاون الدولي وفقا لأحكام اتفاقية بودابست، المتعلقة بالجريمة المعلوماتية”، مراكش، 03 دجنبر، أن سرعة تطور تكنولوجيا المعلومات أدت إلى “شيوع استعمال هذه الوسيلة في ارتكاب جرائم متعددة، ومختلفة يمتد أثرها خارج الحدود”.
وفيمايلي نص كلمة عبد النبوي:
السيد ممثل مجلس أروبا بالمغرب؛
السيدة الخبيرة؛
السيدات والسادة القضاة وضباط الشرطة القضائية؛
حضرات السيدات والسادة؛
يطيب لي بمناسبة افتتاح هذا اليوم الدراسي المنظم من طرف رئاسة النيابة العامة حول موضوع “إجراءات التعاون الدولي وفقا لأحكام اتفاقية بودابست لمكافحة الجريمة المعلوماتية”، أن أعرب لكم عن امتناني وشكري لتكريسكم الوقت والجهد للمشاركة في أشغاله. وأرحب بالسادة الخبراء والسادة القضاة، وممثلي المديرية العامة للأمن الوطني والقيادة العليا للدرك الملكي ومديرية مراقبة التراب الوطني وإدارة الدفاع الوطني المشاركين فيه. والذين يعتبر حضورهم الوازن والمتميز مصدر غنى لهذا اللقاء باعتبارهم من بين أهم المعنيين والمهتمين بالموضوع على المستوى الوطني والدولي.
وأود كذلك أن أقدم الشكر والامتنان لمجلس أروبا على التعاون المثمر مع رئاسة النيابة العامة، ولاسيما حينما يتعلق الأمر بالخبرات الأجنبية التي يساعدنا على توفيرها لتنظيم لقاءات من هذا النوع وبهذا المستوى.
حضرات السيدات والسادة؛
لئن كان المشرع المغربي قد شعر بخطورة الجريمة الإلكترونية منذ بداية الألفية الثانية، فتبنى القانونُ الجنائيُ باباً خاصاً بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات منذ سنة 2003 ، فإن سرعة تطور تكنولوجيا المعلومات أدت إلى شيوع استعمال هذه الوسيلة في ارتكاب جرائم متعددة ومختلفة يمتد أثرها خارج الحدود.
وإذا كان المشرع المغربي قد استحضر روح الاتفاقية الأروبية حول الإجرام المعلوماتي إبان وضعه للباب العاشر من الجزء الأول من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي (المواد 3-607 إلى 11-607 ) فإن المستجدات الحاصلة في مجال استخدام المعلومات في ارتكاب الجرائم العابرة للحدود، جعلت الدولة المغربية تصادق على اتفاقية بودابست حول الجريمة المعلوماتية. هذه المصادقة التي تم إيداع وثائقها لدى أمانة مجلس أروبا بتاريخ 29 يونيو 2018 ليبدأ العدُّ العكسي لدخولها حيز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر من ذلك.
ووفقا للدستور المغربي الذي يمنح السمو للاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية فور المصادقة عليها. فإن هذه الاتفاقية قد أصبحت منذ تاريخ فاتح أكتوبر 2018 جزءً من القانون الوطني، وأن السلطات ملزمة بتطبيقها اعتباراً للمنصوص عليه في تصدير الدستور بشأن سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني، وكذلك عملاً بالمقتضى الوارد في المادة 713 من قانون المسطرة الجنائية فيما يتعلق بالمقتضيات المنظِّمة للتعاون القضائي الدولي.
وإذا كانت اتفاقية بودابست التي صادق عليها مجلس أروبا وفتح باب التوقيع عليها ابتداء من 23 نونبر 2001، قد أعدت في البداية للعمل بها من طرف الدول المنتمية للمجلس المذكور، فإنها قد تضمنت مقتضى يتيح لدول أخرى خارج الفضاء الأروبي للانضمام إليها. وبذلك فإن المملكة المغربية الساعية إلى تطوير ترسانتها القانونية، وملاءمة قوانينها مع أحدث التشريعات العالمية، حينما يتعلق الأمر بجرائم عابرة للحدود كالإجرام السبيراني، انضمت إلى هذه الاتفاقية وأصبحت بذلك هي العضو الستين المنضم إليها. وهذا دليل على السياسة الاستباقية للمملكة، وانخراطها في المجهودات الدولية الرامية إلى منع الجريمة، وإرَادتها الراسخة لتقوية التعاون الدولي من أجل ذلك.
حضرات السيدات والسادة،
إذا كانت الدولة المغربية كغيرها من الدول التي اختارت الانفتاح وإرساء دعائم مجتمع المعلومات والحق في المعلومة وتوسيع نطاق الاقتصاد الرقمي، معنية بمخاطر الجريمة المعلوماتية، التي تعرف تطورا كمياً ونوعيا، نتيجة ارتفاع عدد المستفيدين من خدمات الانترنيت واتساع نطاق المعاملات عن بعد، وتطور وسائل وأساليب ارتكاب الجرائم المعلوماتية. فإن مستعملي الأنترنت المغاربة أنفسُهُم مَعْنِيُّونَ بأمن أنظمة المعلومات وحماية البيانات، غير أن حوالي 76% من الأفراد لا يقومون بحماية أنفسهم ضد مخاطر الانترنت لعدم علمهم بالأدوات المتوفرة لهذا الغرض، حسب ما أكدته الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات بالمغرب.
ووعيا بكل ذلك، فقد انخرط المغرب في الدينامية العالمية الرامية إلى توفير الأمن الرقمي وحماية نظم المعالجة الآلية للمعطيات، مسترشدا في ذلك بالتوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، حيث وضع إستراتيجية المغرب الرقمي، التي ساهمت في توفير سبل تنمية الاقتصاد الرقمي ببلادنا وتسهيل ولوج الأفراد لتكنولوجيا المعلومات. فضلا عن إرساء إطار مؤسساتي وقانوني حديث وفعال لمواجهة مخاطر الجريمة المعلوماتية. كان من تجلياته بناء منظومة قانونية متكاملة توازن بين تحقيقِ هدف المغرب الرقمي وتوسيعِ نطاق المعاملات الإلكترونية، وبين تحقيق الأمن المعلوماتي وزجر كلَ الممارسات التي تهدد سلامة الأنظمة المعلوماتية. حيث تم سن قوانين حول التبادل الإلكتروني للمعطيات، من أجل تنظيم آليات التشفير والتوقيع الإلكتروني وتحديد القيمة القانونية للوثائق والالتزامات الإلكترونية. ومن أجل توفير الحماية للمعطيات ذات الطابع الشخصي. وفي هذا الإطار، حدد القانون مفهوم المعطيات ذات الطابع الشخصي، ودعم الأحكام الخاصة بحمايتها بجزاءات مناسبة. هذا فضلا عن الأحكام القانونية ذات الصلة بالبريد والمواصلات وتحديد التزامات متعهدي الشبكة العامة للمواصلات. وكذا إدراج حماية المستهلك السبيراني ضمن أحكام قانون حماية المستهلك، وتأييد هذه الأحكام بقواعد إجرائية وبنصوص للتجريم والعقاب تشمل مختلف صور الجريمة المعلوماتية، سواء التي يمكن أن ترتكب بواسطة نظام المعالجة الآلية للمعطيات أو تلك التي يكون النظام السالف الذكر موضوعا لها.
وتتويجا لهذا المسار التشريعي، يأتي انضمام المملكة إلى اتفاقية بيدابست حول الإجرام السيبراني ليضع بلادنا في مصاف البلدان الرائدة في مجال التشريعات المتقدمة، ويمنحها آلية متطورة لمكافحة الجرائم المرتكبة بواسطة أنظمة المعلومات، والاستفادة من الوسائل القانونية التي ترمي هذه الاتفاقية إلى تحقيقها والمتمثلة في ثلاثة أهداف رئيسية هي :
– ملاءمة القانون الجنائي الداخلي مع أحكامها الموضوعية؛
– ملاءمة قانون المسطرة الجنائية مع أحكام الاتفاقية الإجرائية؛
– وضع نظام سريع وفعال للتعاون الدولي.
وهي المقتضيات التي يتعين على المشرع الانكباب عليها من أجل ملاءمة القانون الداخلي مع أحكام الاتفاقية في الجوانب التي تحتاج إلى الملاءمة.
كما أن النيابة العامة و في إطار تنفيذها للسياسة الجنائية، مطالبة بالحرص على تحقيق الردع العام و الخاص، لتحقيق الأمن المعلوماتي و حماية أمان المعاملات الإلكترونية، والحياة الخاصة للأفراد. وكل ذلك في حرص تام على تحقيق التوازن بين ردع الجريمة المعلوماتية واحترام الحقوق والحريات الأساسية للأفراد وعلى رأسها الحق في المعلومة وحرية التعبير والرأي.
حضرات السيدات والسادة،
إن تطور الجريمة وفقا لظروف متغيرة، يستدعي متابعة مستجداتها عبر الحدود الإقليمية والدولية والتعرف على الجرائم المستحدثة وخصائصها، وذلك من خلال اعتماد التقنيات الحديثة في التحقيق الجنائي والارتقاء بقدرات المحققين لا سيما فيما يتعلق باستغلال الدليل الرقمي في إثبات الجريمة. وهو ما يتطلب من الجهات المعنية وضع الوسائل التقنية والبشرية اللازمة لذلك. مع الإشارة أن العنصر البشري يظل العامل الأهم في كل الجهود المبذولة لتحقيق الأمن الرقمي ومواجهة الجريمة المعلوماتية. وعلى هذا المستوى استفاد المغرب من مجموعة من برامج المساعدة التقنية خاصة في إطار برامج glacy وglacy+ وcybersud التي تنفذ بدعمِ ورعايةِ مجلس أروبا، حيث كان من نتائجها تكوين مكونين متخصصين في الجريمة المعلوماتية في صفوف القضاة وضباط الشرطة القضائية، وإدراج الجرائم المعلوماتية ضمن برامج التكوين الأساسي والمستمر بالمعهد العالي للقضاء والمعهد الملكي للشرطة.
ورغم كل هذه الجهود، ولكوننا واعون بأن مواجهة الإجرام المعلوماتي تعني مواجهة إجرام متحرك ومتطور بشكل سريع، فإننا مدعوون جميعا لمواصلة تطوير الآليات الكفيلة بمكافحته، عبر دعم التكوين المتخصص وتبادل الخبرات والممارسات الجيدة وملاءمة التشريعات مع مستجدات الجريمة المعلوماتية، سواء في الشق الموضوعي أو في الشق الإجرائي، وتقديم أجوبة قانونية ملائمة لما يطرحه الإجرام المعلوماتي والدليل الرقمي من إشكالات وصعوبات تقنية وقانونية.
حضرات السيدات والسادة،
إن تنظيم رئاسة النيابة العامة لهذا اليوم الدراسي، يأتي في صميم هذه الجهود الرامية إلى دعم تخصص قضاة النيابة العامة، لاسيما وأن هذا اللقاء يعرف مشاركة قضاة وضباط للشرطة القضائية وخبراء مغاربة وأجانب بعيد دخول اتفاقية بودابست لمكافحة الجريمة المعلوماتية حيز التنفيذ بالمملكة المغربية، بما سيجعل منه فرصة لتدارس أحكام الاتفاقية المذكورة على ضوء التشريع المغربي، للوقوف على ما تتيحه من إمكانيات هائلة في مجال التعاون الدولي بشقية الأمني والقضائي، فضلا عن رصد الإشكالات القانونية ومظاهر الفراغ التشريعي التي تحتاج لتدخل المشرع من أجل تتميم وتعديل أحكام التشريع الوطني في مجال التجريم والعقاب والإجراءات الجنائية.
وفي الختام، أود أن أتقدم بالشكر الجزيل لمجلس أروبا على الدعم التقني الذي قدمه من أجل إنجاح هذا اليوم الدراسي، كما أتقدم بالشكر لجميع المشاركين في هذا اليوم الدراسي، راجيا من الله عز وجل أن يكلل أعمالنا بالتوفيق والنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.