تعد احتفالات “بيلماون” أو “بوجلود”، التي تنظم بمناسبة عيد الأضحى في العديد من القرى والمداشر بجهة سوس ماسة، واحدة من أهم الاحتفالات الشعبية التي بقيت راسخة في تراث وثقافة المجتمع الأمازيغي السوسي. ويمارس هذا الطقس الاحتفالي وفق شروط محددة من طرف أفراد يرتدون جلود الأضاحي المدنسة بالدماء، التي تتم خياطتها وتخزينها باعتماد وسائل تقليدية من أجل ضمان صمودها طيلة مدة الاحتفال الذي يدوم أربعة أيام في الغالب.
لمعرفة المزيد حول هذا الموضوع انتقلت هسبريس إلى دوار الزاوية بجماعة ثنين أكلو بإقليم تيزينت، حيث كان لها لقاء مع مجموعة من الشباب، الذين كانوا يستعدون في منزل قديم لتخليد هذا الطقس الاحتفالي الفرجوي، الذي يتم التهييئ له بتزيين الساحات العمومية التي اختيرت مسرحا لعروض “بيلماون”.
أحد هؤلاء الشباب ثلاثيني يدعى عبد الكريم، قال إن “بيلماون جزء لا يتجزأ من ثقافة المنطقة وهويتها، ونحرص كشباب على الحفاظ على هذا الموروث وحمايته من الاندثار”، مضيفا “شخصيا شاركت في هذا الطقس منذ كان عمري 15 سنة، وأشارك فيه كل سنة رفقة مجموعة من أبناء الدوار باختلاف أعمارهم”.
وهو يهم بخياطة مجموعة من الجلود رفقة زملائه، شرح لنا المتحدث ذاته المراحل التي تمر منها هذه العملية، قائلا إن “الأمر يبدأ أولا بتجميع جلود الأضاحي في الصباح الباكر مباشرة بعد الذبح ليتم بعدها اختيار الأصلح منها تبعا للبنية الجسمانية لكل شخص، وفي الأخير يتم اختيار أربعة جلود، اثنان للأطراف العلوية واثنان آخران للأطراف السفلية، فيما يغطى الوجه بجلد الماعز”.
وأضاف “بعد ذلك تتم خياطة الجلود الأربعة باستعمال إبرة وخيط بشكل متناسق لسد أي ثغرة أو فجوة. وتستغرق هذه العملية حوالي نصف ساعة تقريبا”، مشيرا إلى أن “اللجنة المنظمة لهذا الاحتفال بالدوار منعت، على غرار باقي السنوات، ارتداء الأقنعة البلاستيكية أو الجلود المدبغة من أجل الحفاظ على الخصوصية المحلية لـ”بيلماون”، في حين سعت بعض المناطق في سوس إلى إدخال تحديثات على هذا الطقس”.
وانتبهت إلى ميل عبد الكريم وزملائه إلى اختيار الجلود القذرة والمدنسة بالدماء. وهنا أوضح لحسن (36 سنة) أن “الأمر متعمد، إذ نحرص على أن تكون الجلود التي نرتديها في اليدين مليئة بالدماء، فقد جرت العادة على أن يقوم أفراد “بوجلود” لدى خروجهم إلى الشارع بمطاردة الأشخاص وضربهم ضربا غير مبرح، وكذا توسيخ ألبستهم بالدماء التي تحملها الجلود، وهي عادات معروفة ومتقبلة مجتمعيا شريطة أن لا تتجاوز الحدود”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “كل فرد من أفراد “بوجلود” يحرص على عدم تعفن بذلته، إذ نقوم في كل يوم وطيلة أيام الاحتفال برش البذلة بالخل وفي بعض الأحيان بعض العطور، مع قلبها كل يوم وتركها تبيت تحت القمر، وهو ما يضمن سلامتها وبقاءها في حالة جيدة”.
بعد صلاة العصر، يبدأ أفراد “بيلماون” بالتوافد على الساحات العمومية المهيأة في دوار الزاوية والدواوير المجاورة الأخرى على غرار ساحة “دوار أفود نتكيضا” حيث يرقصون بشكل جماعي على إيقاعات الموسيقى السوسية لإمتاع الحاضرين، الذين جاؤوا لمشاهدة هذه العروض، التي تستمر حتى وقت متأخر من الليل. وتكون الساحة مزينة استعدادا لإحياء السهرة الفنية التي سيحتضنها الدوار طيلة أربعة أيام.
وبدا لافتا من خلال الجولة التي قامت بها هسبريس في مجموعة من الدواوير المجاورة حرص الشباب السوسي على إحياء هذا الطقس، وهو ما كان مقدمة لسؤال الحسين العمري، الأستاذ الباحث في السوسيولوجيا والأنثربولوجيا، الذي قال إن “تشبث المجتمع السوسي بالاحتفال بـ”بوجلود” هو تشبث بالتراث، وسعي للحفاظ على مقومات ومكونات التراث والهوية الأمازيغيين”.
وأوضح أن “هذا الطقس الفرجوي كرست له مجموعة من الدراسات السوسيولوجية والأنثروبولوجية لفهم أبعاده ودلالاته”، مسجلا أن “هذا التراث ليس دخيلا على المجتمع المحلي، ولا ينطوي على بعض القراءات التي تعتبره مهددا للأمن الفكري والديني، بل هو مجرد طقس احتفالي عريق يمارس بدافع الفرجة لا أقل ولا أكثر، إذ يمكن إدراجه في إطار مسرح الشارع”.
وأضاف أن “تسمية هذا الطقس تختلف من منطقة إلى أخرى، وهو موجود وما زال يحتفل به في العديد من المناطق خارج المغرب”، لافتا إلى “إدخال بعض العادات على هذا الموروث الثقافي على غرار الضرب بالسوط أو بقوائم الخروف التي يحملها الأشخاص الذين يرتدون الجلود”، مؤكدا أن “هذه العادات المشينة تضر بسمعة هذا التراث العريق”.