بصمت أسعار النفط العالمية على انخفاض “طفيف” في تعاملات بداية الأسبوع الجاري وسط “تراجع المخاوف من تصاعد التوترات الجيو-سياسية”، لكن هذا لا يخفي ارتفاعات متتالية عرفتها تداولات أسعار النفط الأسبوع الماضي، وسط تمدد “هواجس من تعطل الإمدادات أو اضطرابات التوريد”، بسبب استمرار الهجمات على ناقلات النفط والسفن التجارية في البحر الأحمر.
وهكذا، تراجعت أسعار العقود الآجلة لـ”خام برنت القياسي”-تسليم شهر أبريل 2024-بحلول صباح اليوم الاثنين، بنسبة 0.32 في المائة، إلا أنها مازالت مستمرة في مستوى يفوق يقارب 82 دولاراً للبرميل، وهو سعر لا يبتعد كثيراً عن تداولات الأسبوع الماضي.
كما انخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي-المرتقب تسليمُها في شهر مارس 2024-بنسبة 0,34 في المائة لتستقر في سعر 76.58 دولارا للبرميل.
وكان “الارتفاع” صفة ملازمة لتداولات أسواق النفط الخام، خاصة أسعار الخامَيْن القياسيين (برنت وغرب تكساس الوسيط) التي زادت، في ظرف الأسبوع الماضي، بأكثر من 6 في المائة، وهو ما لوحظ في تعاملات 9 فبراير.
“سيناريو الارتفاع الأكثر ترجيحاً”
تعليقاً على هذه التطورات، لفت مصطفى لبراق، خبير اقتصادي في مجال الطاقة، إلى أن “سيناريو ارتفاع أسعار النفط الخام هو الراجح بقوة، لكن بوتيرة متدرّجة، خصوصاً وأننا على مشارف فصل الربيع الذي يدفع الطلب المتزايد نحو الارتفاع بشكل طبيعي”، مؤكدا أن “المغرب يشهد بدوره زيادة في الطلب على مشتقات المواد البترولية”.
وفي إفادات تحليلية لجريدة هسبريس الإلكترونية، استبعد لبراق أن “تعود الأسعار العالمية إلى انهيارات قوية أو انخفاضات في سعر البرميل من الخام، بل قد يكون هناك استقرار”، مؤكدا أن “الأوضاع الجيو-سياسية المتوترة في الشرق الأوسط واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية التي شهدت قصف مصافي التكرير الروسية ومعامل إنتاج النفط قد ترفع سعر البرميل الواحد إلى نطاق يقارب 150 دولارا بحلول النصف الثاني من عام 2024”.
فضلا عن ذلك، أشار الخبير في الطاقة إلى ما لمّحت إليه السعودية، التي تعد أكبر منتجي النفط في العالم الأولى في منظمة “أوبك”، من إعادة النظر في “برامجها وتوقعاتها من أجل زيادة الإنتاج أو خفضه الطوعي”، موردا أن “أغلب الدول المنتجة للنفط ومشتقاته عمدت مع التحولات الجارية والمتسارعة إلى الاستثمار في النفط وتغيير الاستراتيجيات المتبعة في هذا الصدد على المديين المتوسط والبعيد”.
“الطلب على الطاقة عالمياً في تزايد مستمر”، يرصد لبراق في قراءته بناءً على متابعته للأسواق، مسجلا أن “الإنتاج يقل مقابل ارتفاع الطلب العالمي الذي وصل 104 ملايين برميل في 2024”.
وعن انعكاس الاستقرار المؤقت الذي عرفته أسعار الوقود والغازوال منذ أسابيع على المغرب، أكد لبراق أنه كان من المتوقع “رفع سعر اللتر بحوالي نصف درهم”، إلا أن “مسائل داخلية تخص تقديرات في إطار السياسة التجارية لكل فاعل وشركة في القطاع، تظل المحدد في نهاية المطاف”.
وتوقع لبراق، في حديث مع هسبريس، أن “تشهد الفاتورة الطاقية للمغرب زيادة في التكاليف من الميزانية العامة نظرا للتداعيات الدولية لتقلب الأسواق خلال 2024”.
“دينامية التقلّبات”
أمين بنونة، خبير طاقي، يرى بدوره أن “صعود أسعار الخام بحوالي 20 في المائة في الأمد المنظور يبقى في نطاق المعقول، إلاّ أن تكلفة الاستخراج ونوعية النفط وجودته (بين الرخيص والباهظ وغيرها) تتباين بشكل مؤثر في تحديد تركيبة الأسعار”.
وبالاستناد إلى المعطيات التي تتبدى عالمياً، خاصة منذ بدء الصراع المسلح في الشرق الأوسط، شدد بنونة على استمرار “ارتهان السوق الوطنية للمحروقات وبيعها وتوزيعها لهذه التداعيات العالمية الخارجية”.
وأفاد الخبير في الطاقة بأن أسواق النفط تخضع عموماً لقانون معروف هو “العرض والطلب”؛ فحينما ترى الدول المنتجة أن الأسعار تنخفض تحت مستوى معين لا يلبي طموحاتها، فإن ذلك يؤدي إلى تعديل استراتيجيتها من حيث العرض، شارحا بأن “هذا الأخير حينما يتقلص، فإن أسعار النفط، الذي تكون تكلفته استخراجه مرتفعة، تستقر في السوق. وحينما تكون السوق في ارتفاع، فإن العكس يحصل”.
وفي تقدير الخبير الطاقي المغربي، فإن “الارتفاعات والتقلبات غير المتوقعة، وأحيانا الصاروخية، ناتجة إما عن المضاربة أو تعثر/تحويل مسارات وصول النفط الخام، لا سيما الذي يتم إنتاجه في دول الخليج العربي، بعد اشتداد التوتر في الملاحة التجارية بالبحر الأحمر”، موضحا أن “150 دولارا عتبةٌ من الصعب أن تصل إليها أسعار النفط رغم التوترات”.
ولفت إلى أن “السعودية ومن معها في منظمة “أوبك” دول “تمثِّل إجمالا أقل من نصف السوق العالمي للنفط وإنتاجيته، لأنها لم تعد لديها القدرة على التحكم في التقلبات المتسارعة ويقتصر تدخلها على تحديد الإنتاج الذي يسمح لها بتقليص خسائر نزول الأسعار”.
واستبعد بنونة “تكرار” سيناريو “الصدمة البترولية” الذي أعقب حرب أكتوبر 1973، قائلا إنه “غير وارد في الظرفية الراهنة في ظل توسع العرض وهمينة المضاربة في السوق التي تقلب الموازنة في المعاملات بين المنتجين والمستهلكين”.