لا اختلاف داخل الجهات الحقوقية والفعاليات البيئية المغربية حول مدى “إلحاح واستعجال” التعاطي مع ملف النفايات، بعدما أعلنت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، مرتين هذا الأسبوع، أن هناك رؤية جديدة لتتميم وتعديل القانون 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، ضماناً لتصور جديد لتدبير مندمج ومستدام للنفايات المنزلية، لكن “الخطأ”، وفق حقوقيين، أنه تم ربط المشروع بـ”فعاليات كأس العالم 2030”.
الجهات التي انتقدت هذا التصوّر “المتأخّر”، بحسبها، لم تنظر من منحى عدمي إلى الموضوع، لكنها ركزت، وفق ما صرحت به لهسبريس، على “آثار النفايات على صحة الإنسان وعلى الهواء حين يتم حرقها، وعلى التربة والمياه حين تفرز مادة الليكسيفيا التي أدت إلى بوار أراض فلاحية، خصوصاً نواحي مديونة ومناطق أخرى، لاسيما وأن المطارح التي وضعت بشكل عشوائي تستدعي تدخلا ملحا، خاصة في القنيطرة وبني ملال ومدن مغربية كثيرة متضررة”.
“قنبلة موقوتة”
الحقوقي أيوب كرير قال إن “اقتراح السلطات العموميّة تصورا لتدبير النفايات على مستوى المطارح والمدن التي ستستضيف كأس العالم 2030، يبرز أن هذا التدبير المتأخر سيرهننا لمدة أخرى، رغم أن الملف يشكل قنبلة موقوتة تهدّد حق الإنسان في بيئة سليمة ومُستدامة كحقّ أممي صار منصوصا عليه بوضوح”، مضيفاً أن “هذا التوجه يعكس من جهة أخرى كون المواطن يشكل الحلقة الثانية بالنسبة للمسؤولين، بما أن الغاية هي تأهيل المدن لتكون في حلة رائقة على هامش فعاليات كأس العالم”.
وأشار كرير، في تصريح لهسبريس، إلى أن “الإشكال الذي تطرحه هذه المطارح صار خطيرا؛ فالعديد من المواد السّامة تتسرب منها، خصوصاً وأن هناك مشكلة حقيقية في تهيئة هذه المطارح ونقط وضعها؛ ففي مدن كالقنيطرة تكون قريبة من السكان بكل ما يشكله ذلك من خطر على الصّحة العامة”، مبرزا أن “ما ننتظره هو أن تُعالَج هذه المسألة بشكل آني، في غضون أشهر، وتخصيص التجهيزات المناسبة لذلك، فقد تأخرنا بما يكفي ونحتاج أن نسرع الآن”.
وأوضح الحقوقي سالف الذكر أن “المطارح المُنشرة التي لا تستوفي الشروط البيئية والصحية، تمثل وصمة عار على جبين بلدنا، وتشكل مصدر قلق للجميع، لأنها في العديد من النقط بمجرد بداية رياح قوية تبدأ محتوياتها بالتطاير وإزعاج الساكنة القريبة منها، فضلا عن الروائح الكريهة التي تبعثها، والتي تؤثر على حق المغاربة في بيئة سليمة وآمنة لا تشكل خطرا على صحتهم أو سلمهم الاجتماعي”، مؤكداً أن “طمر النفايات مشكلة تقليدية مازلنا نحافظ عليها، في الوقت الذي يتعيّن أن نعتمد مقاربة حقوقية من خلال تثمينها وإعادة تدويرها”.
“المطرح والحق الإنساني”
المهدي ليمينية، فاعل مدني مدافع عن حقوق الإنسان البيئية، قال إنه “لو نظرنا إلى الأمر من ناحية مبدئية، فسيبدو أنه لا إشكال في ربط تدبير مشكلة المطارح بكأس العالم، لأن الأثر اللاحق هو الحاسم؛ فهذه التظاهرة الكروية العابرة ستجعلنا نمر إلى السرعة القصوى تنمويا المستفيد الأول منها هو المواطن المغربي”، مشيرا إلى أن “مشكلة المطارح من حيث بعدها العملي تظل عالقة وحارقة مع ذلك، ويستحسن أن نجد لها صيغا استعجالية قادرة على حماية الحق الإنساني في سلامة ما يحيط به”.
وأوضح ليمينية، في تصريح لهسبريس، أن “ربط معالجة الإشكال بكأس العالم صراحة ومباشرة رغم أثره الإيجابي، يظل مرفوضا، لكون الضرر يقع على الناس هنا والآن والأمراض التنفسية التي تنتشر يكون لها أثر لحظي، وهو ما يجعل التعامل مع هذا الملف لحظيا”، مبرزاً أن “الجهات الحقوقية النشطة في هذا الشأن تقدمت سابقا بمطلب حول وضع مخطط أخضر للمدينة، وقد بيّنا مدى استعجال تجاوز إشكال المطارح وإعادة تدوير جل النفايات المنزلية”.
وقال المتحدث عينه إن “هناك ميزانيات مخصّصة لهذا الجانب يتعيّن أن تراعي مختلف الإشارات الحقوقية، تماشيا مع الإنجازات التنموية التي يحقّقها بلدنا، والتي تجعل حياة المواطنين المغاربة أكثر جودة من حيث الشعور بالاطمئنان ونسف المشاكل التي تشوش على هذا المعطى، بما في ذلك مطارح النفايات”، خالصا إلى أن “إنهاء النقاش بخصوص هذا الملف وطيّه نهائيا، في صالح تنمية وطننا وفي صالح الاقتصاد الوطني بشكل عام”.
من جهتها، كانت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، قد أشارت إلى أنه بالموازاة مع تدبير ملف الفرز الانتقائي للنفايات في المدن التي ستحتضن كأس العالم، الذي سيتطلب غلافا ماليا يناهز 6 مليارات درهم، سيكون هناك برنامج خاص بالجماعات التي تنتج أقل من 50 ألف طن من النفايات المنزلية سنويا، يشمل 13 مشروعا، بحجم استثمارات يقدر بحوالي 330 مليون درهم.