دروس 2015 ومأسسة التقييم بالمغرب
من خلال القراءات المتقاطعة لمسار الأحداث بالمغرب، يمكن اعتبار 2015 سنة مرجعية بامتياز تحيلنا إلى تحليل وقائعها ولو بإيجاز، في غياب مؤسسات علمية وإدارية وأكاديمية تعنى بوظيفة التقييم.
دوليا: حققت بلادنا عدة مكتسبات سياسية وأمنية ودينية واقتصادية مكنت المغرب من الارتقاء في سلم التموقع الجيواستراتيجي. فبفضل مقاربته الشمولية والاستباقية لمكافحة الإرهاب، أضحى المغرب نموذجا للاستقرار الأمني في محيط عربي ملتهب ومنطقة أورو متوسطية تواجه مخاطر التمدد الإرهابي وتدفقات اللاجئين والمهاجرين، فالأمن السياسي المغربي يستمد شرعيته من إمارة المؤمنين كضامنة وموحدة للأمن الروحي والاجتماعي والهوياتي، إذ واصل المغرب سنة 2015، تأهيل ومأسسة الحقل الديني وفق مقاربة متعددة الأبعاد لمواجهة التطرف والغلو الديني، مما حدا بعدة دول إقليمية وإفريقية طلب الاستعانة بالتجربة المغربية نهجا وتأطيرا، وخاصة الاستفادة من برنامج تكوين الأئمة، وبالتالي أصبح "المغرب يعزز ريادته الدينية والأمنية في غرب إفريقيا" (أ. وينسكون يوليوز 2015).
جاذبية المغرب تعززت اقتصاديا بالتطور الملحوظ للاستثمارات في غرب ووسط إفريقيا، وخاصة بعد الزيارة الملكية الأخيرة (ماي – يونيو 2015) لأربع دول إفريقية، والتي مكنت المغرب من تنويع وتطوير استثماراته في القطاع البنكي والاتصالات والنقل الجوي والعقار واللوجستيك… إضافة إلى مشاريع التنمية البشرية وفق مقاربة مندمجة وبصيغة رابح رابح.
مكانة المغرب كأول مستثمر بالبلدان الإفريقية الفرنكفونية، واتفاقيات التبادل الحر مع أمريكا والاتحاد الأوروبي وتركيا… أهلت المغرب لأن يلعب دورا محوريا واستراتيجيا في تطوير الاستثمارات البينية ما بين الاقتصاديات الصاعدة والدول الإفريقية ، وهو ما تعزز من خلال المشــاركة المتميزة للمغــرب بمنتدى الأعمال الهند-إفريقيا ومنتدى التعاون بين الصين وإفريقيا "فوكاك"، المنعقدين على التوالي بنيودلهي (أكتوبر 2015) وجوهانسبورغ (دجنبر 2015).
مجال آخر شهد على تميز المغرب، خلال 2015 ويتعلق الأمر بالمشاركة النوعية في أشغال قمة المناخ بباريس، والتي مكنت المغرب أولا، من عرض الاستراتيجية الوطنية للطاقات المتجددة من خلال مشروع محطة ورززات للطاقة الشمسية الأكبر في العالم والذي سيغطي %42من حاجيات الطاقة بحلول 2020، ثانيا، من خلال تعيين مراكش لاستضافة مؤتمر 22 COPسنة 2016 حول ما أضحى يسمى بالعدالة المناخية، لتقييم التزام تعهدات الدول الملوثة للحد من ارتفاع الحرارة ومساعدة الدول النامية على تمويل انتقالها إلى الطاقات النظيفة.
بورصة المغرب ارتفعت قيمتها أيضا سنة 2015 استخباراتيا وعسكريا في عدة محاور ونقط ساخنة، ابتداءا من إشرافه على مسلسل المصالحة الليبية بالصخيرات، ومساهمته إفريقيا في مكافحة الحركات الجهادية بمالي ومنطقة الساحل والصحراء، ومرورا بمشاركته الفعلية العسكرية بالخليج ضمن التحالف في نسختيه الدولية والإسلامية السنية لمواجهة المدين الداعشي والشيعي على السواء، وانتهاءا بالتواجد الاستخباراتي المتزايد في أوربا للمساهمة في الحد من الأخطار الإرهابية وخاصة بعيد أحداث باريس الدموية.
نجاحات 2015 المتعددة، وإن ساهمت في إشعاع المغرب إقليميا، لم تمكن بلدنا من حلحلة قضية الصحراء المغربية، يعزى ذلك إلى ضعف الدبلوماسية المغربية بشقيها المؤسساتي والموازي وباعتراف رسمي وشعبي، ولنا في قضيتي السويد والمحكمة الأوروبية خلال 2015 خير مثال على غياب دبلوماسية وطنية مبادرة، كما أن إقدام وزارة الخارجية على تعيين قناصلة جدد تظل مبادرة محدودة الأثر في غياب مأسسة تقييم العلاقات الدولية والسياسات الخارجية في جميع أبعادها الرسمية والبرلمانية والتقافية والجمعوية…
وطنيا:على مستوى السياسات الوطنية، تكمن أهمية ومرجعية 2015 في كونها سنة:
× انتهاء المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مرحلتها الثانية (2011-2015) ؛
× تقييم إنجاز أهداف الألفية للتنمية (1990-2015) كما هو مفصل في تقرير 2015 (www.hcp.ma)؛
× انطلاق اللقاءات التواصلية للإحصاء الفلاحي خلال دجنبر 2015 لإعداد السجل الوطني الفلاحي الذي سيمكن من تقييم مخطط المغرب الأخضر؛
× تفعيل التقطيع الإداري الجهوي الجديد (12 جهة) في انتظار إخراج القوانين المنظمة والمراسيم التطبيقية للجهوية المتقدمة؛
× مواصلة إصلاح نظام المقاصة الذي تقلصت نفقاته إلى 23 مليار درهم بالاعتماد على الاستمرار في تفعيل نظام المقايسة على المنتجات النفطية؛
أما على المستوى السياسي، فيمكن اعتبار اقتراع4 شتنبر 2015 كأكبر حدث اقترن بهذه السنة، لكونه أول امتحان للانتخابات المحلية والجهوية بعد دستور 2011، ولتزامن تنظيمه مع الهزات الارتدادية التي تعرفها معظم بلدان الربيع العربي.
وتجاوزا للنتائج الكمية لاقتراع 4 شتنبر، والمرتبطة أساسا بأعطاب التقطيع الانتخابي، مكنت الانتخابات المحلية من إفراز تصويت سياسي بالمدن مقابل تصويت عائلي انتفاعي وقبلي بالقرى، هذا التحول النوعي في السلوك الانتخابي لدى الطبقة الوسطى يمكن تفسيره:
سياسيا: بارتفاع منسوب الثقة تجاه الخيار الديموقراطي والمؤسساتي لدى فئات واسعة من المجتمع، وخاصة بالوسط الحضري والتي :
–تدعم مسلسل التدرج في الإصلاحات السياسية؛
– تساند الأحزاب التي تعتمد على الديموقراطية الداخلية ومعايير الأخلاق والكفاءة في الترشيح والتدبير؛
–ترفض جميع المواقف المؤدية إلى تمييع العمل السياسي بالمغرب.
مجاليا: بالتفاوتات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ما بين المجال الحضري والقروي، إذ يضم الوسط القروي %85من الفقراء و%64من الساكنة الهشة، وتبلغ نسبة الأمية %47,7مقابل %22,2بالوسط الحضري،كما أن %42من الساكنة النشيطة المشتغلة القروية لا تتقاضى أي أجر مقابل%4فقط بالوسط الحضري في حين أن %38,3فقط من الأسر القروية مرتبطة بشبكة الماء الصالح للشرب مقابل %91بالمجال الحضري. هذه المؤشرات الاحصائية، بقدر ما تبرز خصاص و تأخر العالم القروي في ميادين التنمية البشرية والاقتصادية، بقدر ما وبطريقة غير مباشرة :
–تؤثر على النتائج الانتخابية تصويتا وترشيحا وتدبيرا للشأن المحلي؛
–تشكل بيئة خصبة للهجرة القروية ومغذية للانحراف الأخلاقي والتطرف.
إن وقائع وأحداث سنة 2015 وتداعياتها الخارجية والمحلية تساءلنا تعميق النقاش حول مأسسة وظيفة التقييم، كأولوية لتحسين أداء الحكامة في السياسات العمومية السكانية والترابية.
فالأمم المتحدة أعلنت "2015 سنة دولية للتقييم" (EvalYear)، من خلال برمجة مجموعة من المؤتمرات والمنتديات عبر العالم لتحسين المهارات وتبادل الخبرات في مجال التقييم.
وفي هذا السياق، وانسجاما مع دسترة التقييم بالفصل 13 من دستور2011، نظم المرصد الوطني حول التنمية البشرية خلال أكتوبر 2015 مؤتمرا دوليا حول "مأسسة تقييم السياسات العمومية" لتقوية القدرات المحلية وتبادل التجارب والمناهج والمفاهيم المعتمدة في وظيفة التقييم.
إلا أن هذه المبادرة تبقى غير كافية في غياب قوانين منظمة لوظيفة التقييم، مما يحتم تعزيز دور المركز الوطني لتقييم البرامج ( (CNEPوإحداث هيئات ومؤسسات وطنية وجهوية للقيام بتقييمات مستقلة للسياسات العمومية والجماعاتية والمجالية.