حقيقة الممارسة السياسية في العوالم الافتراضية
لعل أبرز ما يثير انتباهنا في الوقت المعاصر هو التجلي الذي يخص الممارسة السياسية على سطوح العوالم الافتراضية، و لاسيما العالم الأزرق ـ فسيبوكـ ـ ، وهو ما خول لنا أن نصفها بالممارسة السياسية الافتراضية الحقيقية، وذلك من مدخل نسبة الشيء إلى الشيء النابع منه…
مهمما تكن هذه التوصيفات السالفة الذكر حول نقطة بحثنا، فإن هناك سؤالا يلوح ويظهر في الأفق، عساه يدرك الإجابة الملائمة، وهو ما يعني قولنا هل من الصواب أن نحكم على الممارسة السياسية الافتراضية بأنها تدخل في دائرة الإيجاب، أم أنها تندرج ضمن ما هو سلبي ؟
إذا اعتبرنا هذا التساؤل ـ الشاسع من حيث معناه ـ إشكالية لهذا المقال، فلا يمكن أن نخلص إلى نتيجة دون إلقاء رؤية كونية ـ حسب تعبير لوسيان غولدمان ـ على العوالم المقصودة..
من هذا المنطلق الداعي لوقفة تحليلية سيرا وطبيعة الموضوع، أمكننا القول إن الحقيقة تقف إلى الجانب الإيجابي لهذا النوع من الممارسة السياسة، وهذا إنما يرجع إلى المكتسبات المحققة والناجمة على إثر ما راج ويروج في العالم الأزوق خاصة .. فمن كان يظن أن مقطع فيديو لا تتجاوز مدته ثواني معدودة أو دقائق على وجه التكثير، سيؤدي إلى إسقاط أنظمة تنتشر جذورها في أعماق البلدان بأكملها .. أي، من كان يظن أن حسني مبارك سيخرج يوما من دائرة الحكم إلا إذا أنشبت في وجهه المنية أظفارها ، ثم من كان ينتظر هلاك القذافي الذي كان للصواريخ أبرع القادفين، بل بأخضره وأبيضه تجاوز الأنبياء والمشرعين، أومن كان يعتقد نكسة زين العابدين، الذي وصفوه بزين الهاربين، و في اليمن من تصور احتراق مفرد الصالحين، أو الطالحين حسب قول القائلين ... إلا أن العالم الأزرق عجر ويعجزعن زحزحة من هو على كرسي متحرك أقدم الجالسين، افهمونا رجاء ولا تكونوا من النائمين !
نعم، هو كلام إنما يؤشر على قوة السياسة الافتراضية، التي تقوم مبدئيا على المعارضة اللامشروطة في الأحيان كلها.. معارضة تتميز بالسرعة الفائقة في الانتشار، كما تتميز بالتضامن الكلي كالجسد الواحد، فتجد المثقف يعارض بخلفية معينة ولأهداف معينة، كذا تجد العامة من الناس يعارضون لأنهم سمعوا بحمى الموضوع المعارَض ليس إلا…
هكذا فالشكل السياسي الذي يروج في العوالم الافتراضية، يقوم ويبنى على قاعدة واحدة موحدة، تتجسد في المعارضة المطلقة.. وبمعنى أكثر تبسيطا، فإن هناك من يعارض لهدف يستحق المعارضة، وأن هناك من يعارض لأجل المعارضة، كما أن هناك من يعارض ولا يعرف من وماذا يعارض، ولماذا يعارض…
إذا حاولنا أن نسلك المنهج الاستدلالي التقابلي التناظري، فإننا نفهم انطلاقا من الأهمية الكبرى التي تحيط بالممارسة السياسية الافتراضية الحقيقية، وما لها من دور في تغيير المسارات على اختلافها، نفهم أن هناك وجها سلبيا لهذه العملية، الشيء الذي يجعلنا نفتح أبواب العرقلة بسبب سوء الفهم وصعوبة الإدراك…
إن هذا الموضوع تظهر أهميته بالشكل الملموس فيما له علاقة بالربيع العربي، إذ يشهد ويقر العالم أجمع أنه تحول إلى خريف حقيقي.. وهو ما يدفعنا إلى إلقاء نظرة فاحصة عليه ؛
بناء على هذه الإشارة الأخيرة المتعلقة بالثورات العربية التي لم تنجح، يتبادر سؤال العلية أو السببية وراء هذا الفشل في تحقق أهداف الثورات.
إن البحث في الأسباب يحتم علينا مراجعة ما الذي جعل الثورات الناجحة في العالم الغربي نجحت وحققت مراميها، بل وتجاوزتها…
نعم؛ إن أي ثروة ناجحة كانت قاعدةُ هرمِها هي الفكر والثقافة والوعي، وهو ما معناه أنها ثورات تزعمها فلاسفة ومفكرون ونخبة مثقفة، الشيء الذي لا مصير معه سوى النجاح أوأكثر منه…
أما الثورات العربية، فقد بنيت على أساس واهٍ واهن ضعيف، أساس افتراضي مزيف، لا محل له من الحقيقة، وهو ما يجوز نعته بأنه متمثل في الجوانب "الخبزية" فحسب…
يبدو أن القلم الذي خط هذه السطور بدأ يجف، ويصرخ : كفاك كفاك… ويقول: إن ما بني على فكر فعلي سيحقق غاياته، وما بني على فكر افتراضي سيقع له ما وقع للربيع (الخريف) العربي.
ومن الحِكم تفهم المقاصد.