نفايات إيطاليا بين إعلام التضليل و تضليل الإعلام
عاشت مجموعة من المواقع الالكترونية و صفحات التواصل الاجتماعية حملة شرسة و جدل كبير أثير حول موضوع ما بات يعرف بقضية “النفايات الايطالية”، حيث خلفت شعارات مختلفة و متضاربة في حق الوزارة الوصية و ردود أفعال غير طبيعية في النقاش العمومي.
حقيقة استغربت كثيرا من حجم هذه الهالة الإعلامية، لكن القصور يكمن في كون أغلبية المتفاعلين لا يرون الأمور بعين العلم، فقبل الخوض في مثل هذه النقاشات وجب أولا و قبل كل شيء البحث الدقيق عن تعريف إدارة النفايات أو هندسة النفايات و علومها (Rudologie) ثانيا عن معايير و كيفيات صناعة و ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ اﻟﻨﻔﺎﻳﺎت و تثمينها، من أجل الاطلاع السطحي فقط على فحوى موضوع النقاش لأن التخصص يبقى و يضل شأن الخبراء و الباحثين في المجال أما العفوية والانسياق أو التبعية للأحداث عن جهل و من غير معرفة إضافة إلى الارتجال السريع في تسمية هذه الطاقة البديلة المستوردة ب”زبل” فهذا جهل لعلم تدرسه الناس منذ عقود في صمت.
و ما زاد استغرابي، لما وصل إلينا هذا العلم، في أسبوع سارع إعلام التضليل في تجريم المسؤولين و ترويج المغالطات التي لا تقدم ولا تؤخر بل و تساهم بطريقة غير مباشرة في تضليل الإعلام و المجتمع و إحداث جدال متشعب الأطراف، بيزنطى و عقيم.
و عليه، سأتطرق بتفصيل لحيثيات هذه القضية و أعرض الأسباب العلمية و المعطيات العملية بلغة مبسطة لكي يتمكن العموم من استيعاب دقيق لكل الأبعاد و الجوانب الغامضة.
أولا و قبل كل شيء كما سبق للسيدة وزيرة البيئة أن صرحت بأن ثمن هذه المتلاشيات يتراوح ما بين 35 و 40 يورو، باعتبارها طاقة بديلة و ليست نفايات قدرة، هنا يتراود سؤال ساذج إلى الذهن: يقال أن إيطاليا دفعت للحكومة المغربية مبالغ مالية مقابل التخلص من شحنة تزن 250000 طن، فكيف يفسر ذلك ؟
بكل بساطة هذه إشاعات و معلومات مغلوطة، فالوزارة المكلفة بالبيئة لا تستورد النفايات لكي تتلقى أو تدفع مبالغ مالية بل الشركات الإسمنتية المغربية من تقوم بهذه العملية الاقتصادية المحضة (transaction économique)، و هنا يتجلى دور الوزارة التي تكتفي بالترخيص لذلك وفق جملة من الإجراءات الإدارية اللازمة بعد تقديم مجموعة من الوثائق لعل أهمها شهادة من معمل معتمد من طرف الاتحاد الأوروبي، وثيقة إشعار بنوعية النفايات موقعة من طرف الوزارة الوصية على قطاع البيئة في البلد المصدر، التأمين الشخصي لصاحب المعمل وتأمين الشركة، … كما أنه عند وصول الحمولات إلى المغرب يتم رفع عينات منها إلى مختبرات للتأكد من سلامتها و كذا من مطابقتها مع النوعية المصرح بها.
إذن الأمر يتعلق بنفايات و متلاشيات عبارة عن مواد بلاستيكية و منسوجات تستعمل كمكمل و كبديل للطاقة الأحفورية، بتعبير آخر تستعمل “كوقود بديل” في مصانع الإسمنت نظرا لما تتميز به من قوة حرارية مهمة حيث يتم اقتنائه من طرف مهنيي هذا المجال لحرقه في درجة حرارة تتجاوز الألف درجة الشيء الذي يترتب عنه إبادة تامة لكل الجزيئات فلا يكون هناك أي انبعاث ضار في احترام تام لكل معايير الحرق والتخزين الدولية.
ضررها على البيئة و على السلامة الصحية لعموم المواطنين المغاربة صفر بكونها محروقات ايكولوجية غير ضارة مقارنة مع الفحم وجميع أشكال الكربون الغير النقي حيث كان من الأولى الاحتجاج على معامل تكرير البترول و ما ينتجون من مخلفات صناعية وكيمائية خطرة على البيئة عوض على ما جرى استيراده من إيطاليا.
من جهة أخرى، فجملة الإجراءات القانونية و الإدارية المتعلقة بمراقبة دخول النفايات للمغرب، تم اعتمادها حديثا من خلال صياغة مساطر جديدة دخلت حيز التنفيذ سنة 2014، بعد توقف عن الاستيراد دام لمدة 7 أشهر، حيث ألزمت وزارة البيئة المعامل بالقيام بدراسة التأثير على البيئة قبل أي عملية استيراد وفقا لمقتضيات القانون 12-03 للتأكد من مطابقتها للمعايير الأوربية، إضافة إلى اتفاقية “بال” الدولية والاتفاقية الإطار الموقعة ما بين الوزارة الوصية والصناع المشتغلين في قطاع حرق النفايات.
كما أن عمليات الاستيراد تتم وفق المقتضيات المنصوص عليها في القانون رقم 00-28، المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها ونصوصه التطبيقية التي تمنع بصفة نهائية استيراد النفايات الخطرة وتسمح باستيراد النفايات غير الضارة من أجل إعادة تدويرها أو تثمينها كطاقة مكملة أو بديلة بالمصانع و المعامل سواء الإسمنتية أو الشركات الطاقية.
و تخضع هذه العملية لمراقبة دقيقة و تتبع مسطري انطلاقا من البلد المصدر إلى حين دخولها تراب المملكة للوقوف على مدى احترام الشروط المتعلقة بنوعية هذه النفايات ومكوناتها الكيميائية والفيزيائية وإخضاعها لتحاليل من أجل التأكد من خلوها من النفايات الخطرة و السامة.
جدير بالذكر كذلك أنه في عهد الحكومات السابقة كان يتم استيراد الأطنان سنويا من هذه النفايات دون أي قانون منظم، وهو ما كان يُشكل خطراً بسبب الفراغ القانوني، و حينها لم تثار أية ضجة من طرف المهتمين بالشأن البيئي، أما الآن فالمغرب أصبح يتوفر لأول مرة على قانون يؤطر كل ما يتعلق باستيراد النفايات الأجنبية والذي يعتبر ‘ثورة بيئية’ بفضل الحكومة الحالية التي استطاعت تشديد إجراءات استيراد واستعمال النفايات، وحملت المغرب لصدارة بلدان العالم في استراتيجيات الحفاظ على البيئة واستخدام الطاقات البديلة والايكولوجية.
إذن بناء على ما سلف ذكره، فالمسألة مسألة اقتصادية غايتها تقليص نفقات الطاقة بكافة الضمانات الوطنية و الدولية الرامية إلى الحفاظ على البيئة، في حين يجب على المغرب كسب خبرة أكثر من هذه العمليات لينتقل إلى إدارة و معالجة نفاياته بهذه الطريقة.
أما بخصوص هذه الضجة التي تمت إثارتها فهي حملة انتخابية سابقة لآوانها من طرف أحزاب معارضة في محاولة يائسة لتسييس الموضوع وبلبلة الأفكار وسط الرأي العام و لذلك يتعين تعميق البحث دائما في كل المواضيع لتجنب إصدار الأحكام المسبقة و للوقوف على كافة الحقائق.
خلاصة القول: هناك أطراف لا تعرف إلا النقد ومعارضة أي شيء و لا أحد ينكر وجود كتاب ومعلقين ينتمون للحزب العدمي، يتتبعون و يترصدون بشكل مرضي جميع التحركات، فما إن يبرز حدث معين لا يتوقفون عن إصدار و نشر الإشاعات و التضليلات البائدة بكل الوسائل الدنيئة حتى و إن ظهرت الحقيقة، و مثل هذه السلوكات لا تخدم مصلحة دولة مقبلة على احتضان المؤتمر العالمي للمناخ COP22.