موسم الياسمين …!
أشار " ابن عبد ربه الأندلسي " في " العقد الفريد " أنّ : { للسلطان زمام الأمور ، ونظام الحقوق ، وقوام الحدود ، والقطب الذي عليه مدار الدنيا ؛ وهو حمى الله في بلاده ، وظله الممدود على عباده ؛ به ينتصر مظلومهم ، وينقمع ظالمهم ، و يأمن خائفهم …} و عن " وهب بن منبه " قال : { فيما أنزل الله على النبي داود عليه السلام : إني أنا الله مالك الملوك ، قلوب الملوك بيدي، فمن كان لي على طاعة جعلت الملوك عليهم نعمة ، ومن كان لي على معصية جعلت الملوك عليهم نقمة..}.
من المأمول أنّ إفتتاح الدورة التشريعية الجديدة سيكون تكميلة للخطابين الآخرين ( خطاب العرش و خطاب ثورة الملك و الشعب 2019) ، و قد يكون حاملا لنتائج التوجهات الملكية على المستويات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ، لأنّ الأجواء العامة داخل البلاد توحي بأنّ " العلاج بالتدرج " و محاولة اشراك الفاعلين السياسيين قد فشلت ، و آن الأوان " للعلاج بالصدمة " فمن غباء النخب السياسية أنه بعدما أعلن الملك عن فشل النموذج التنموي و دعوته إلى إيجاد آخر جديد ، لم تُقدم إلاّ مبادرات محتشمة في هذا الاطار و لم تستطع الحكومة لحد الساعة وضع هندسة و تصميم نموذج تنموي جديد و الوقت يمر ، لأنّ الوقت أصبح عدو لمستقبل المغرب و لم يعد التردد مقبولا بل ضرورة التحلي بالجرأة و الاجتهاد و أولويات الصالح العام و خدمة الوطن..
فالحقيقة التي لا غبار عليها أنّ نتائج 20 سنة الأخيرة لم توزع فيها الثروة بطريقة عادلة على كل المغاربة و أننا أصبحنا نقف مشدوهين لا نُحسن إلاّ الكلام و إنتاج النظريات المتعددة و إثقال كاهل الإدارة بمجموعة من القوانين و الدوريات .. بينما واقع التطبيق يعطي مؤشرات عن تضخم شرايين الفساد و استئثار قلة قليلة بنتائج الاستثمارات العمومية و تدحرج المغرب في التصنيفات الاجتماعية و الاقتصادية .. إلى أدنى المراتب الدولية ، نتيجة تداخل السياسي و الاقتصادي و لتتّبُع الحرفي لددكتيكات المؤسسات الدولية التي أغرقت بصحبة الحكومة البلاد في جُب المديونية تجاوزت 92 في المئة من الناتج الخام الوطني ، و هو مؤشر لا يدعو فقط الى إشعال الضوء الأحمر بل الى إطلاق النفير العام و نداء يقظة وطنية حقيقية و دعوة الحكومة التي طبقت هذه البرامج و استنساخها الى إعلان إفلاسها ، فالمرحلة التي تمر بها البلاد أخطر المراحل في التاريخ تدعو الى الحيرة و التضارب بالتحديد حول خيارات الدولة المغربية فإما الاستمرار في هدم الدولة و هو ما أكدته السنوات السابقة أنه يتم لصالح الفساد و بالتالي لصالح قوى اقليمية و دولية معادية لمصالحنا الحيوية و الاستراتجية و إما الجدية التي تعب الجمع بالتنادي لها
إن البلاد تمر بمرحلة الخيارات الكبرى الحاسمة و كل الفاعلين الكامنين خلف ستار الانتظارية يعلمون جيدا أن الطريق ضيقة و وحيدة هي فقط المرور عن طريق التشبيك مع القيادة العليا في الدولة التي تمد اليد لجميع الجادين أو سيعم البلاء الجميع ، فالمواطن المغربي و بشكل شبه أكيد فقد الثقة في العمل السياسي و هو ما يشكل ضربة قاضية قوية لدينامكية الديمقراطية المغربية ، فنفس النخب السياسية التي كانت تهلل لبرامج اقتصادية و مالية معينة و تقدسها لا تخجل من نفسها حينما تقف لتناقض موقفها هذا و تختبئ وراء مبادرات الملك حين انتقاده و اعلانه فشل النموذج التنموي ، مما يؤكد أنّ التطورات داخل الدولة تتفاعل معها هذه النخب السياسية بسلبية و بالتالي انفصام في الشخصية و انفصالها عن الواقع المغربي ، ببساطة أنها لم يعد يهمها إلاّ أخد نصيبها من كعكة السلطة و امتيازات الكراسي…
إنّ الزمن الذي يتم تدبيره حاليا لن يكون لإغلاق قوس بل هو يجب أن يكون بداية حقيقية لتهيئة الدولة ككل لنقلة نوعية على أبواب استحقاقات المقبلة و القطع مع مقولة " أن كل شيء في المغرب يتغير حتى لا يتغير شيء " ، فعندما تلتقي إرادة التقدم و التغيير بين قمة السلطة و القاعدة الشعبية فإن الوسائط السياسية و الاقتصادية إما أن تلتزم بهذه الروح و تنخرط فيها أو سيتم تأديبها من فوق ورفضها من تحت كما هو مؤكد في الواقع الان.
إنّ الأمل ، كل الأمل و الآمال معقودة في توجهات الملك رئيس الدولة و في رجالات المغرب الوطنيين و الأوفياء ، أما الغثاء فيذهب مع السيل و قد ذهب مع فيضانات " تارودانت " و " الراشدية" .