مالي أرى الشمع يبكي في مواقده ؟

مالي أرى الشمع يبكي في مواقده ؟

ماجدة بني هاني
21/01/2017

مالي أرى الشمع يبكي في مواقده….من حرقة النار أم فرقة العسل ؟
من لم تجانسة فاحذر أن تجالسه ….ما ضر بالشمع إلا صحبة الفتل 
بيتان من الشعر هما كل إرثه لي !
كان عاماً حزيناً ذاك الذي اختطفت يد المنون فيه أعز أخوتي ،كان شاباً يافعاً مفعماً بالحياة والقوة والعنفوان ،أذكر ذالك اليوم …أذكره جيدا ،حين جاء أحد رفاقه في الجيش ،ومعه بقايا أغراضه .وبينهما دفتر مذكرات صغير ،كان حديثا وما عليه إلا بيتين من الشعر يتيمين هما إرثه الوحيد…نقشهما بخط يده ، ومضى الزمان وما زالت الحيرة تملؤ قلبي حول سرهما !
واليوم وقد  اكتملت فتات الصورة المبعثرة في ذهني .. وأدركت حقيقة البشر ، وعركتني الحياة ،عرفت أن كثيرا من الرسائل قد تصل متأخرة متعثرة ولكنها أخيرا تصل …..
وأعترف أني ظللت حبيسة الحيرة طويلاً ،وأني يئست سريعا من البحث مذ كنت طالبة في الأدب العربي ،فلم أعثر على قصيدة تحتويهما ،أو شرح أو مجرد إشارة فيما بحثت …..
واليوم مع تطور وسائل البحث بات كل شئ متاحاً ،والبحث سريعاُ..
 وعلمت أن الشاعر أبو اسحق الغزي قد نظم بيتا من الشعر حين نظر في شمعة تحترق فجاء بيته على شكل سؤال …
مالي أرى الشمع يبكي في مواقده 
من حرقة النار أم من فرقة العسل 
وكان يجلس بين حاضرين من أهل العلم و الأدب فاقترحوا جائزة لمن يجيب …
فأجاب بعضهم: أن السبب هو حرقة النار وأجاب آخرون :بل هو من فرقة العسل …
وبلغ الخبر الشاعر صالح طه فقال على الفور .
من لم تجانسة فاحذر تجالسة 
ما ضر بالشمع إلا صحبة الفتل ..
فكانت إجابته دامغة صادمة…وكان الشاعر الغزي قد تخيل الشمعة وهي تذوب وتتساقط دموعاً لتلك الشمعة ، فتساءل عن سبب تلك الدموع ؟
هل هو لشدة النار المحرقة ،كالألم الحسي من شدة العذاب ؟
أم أن السبب وجداني لأجل مفارقة الأوطان ؟
وذلك أن الشمع يؤخذ من موطنه الأصلي وهو خلية النحل التي هي بيت للعسل …..ثم جاء الجواب من الشاعر طه،مفيدا أن سبب بكاء الشمع ليس حرقة النار وإن كانت نتيجة حتمية ،وليس مفارقة الموطن الأصلي…
وإنما لوجود شئ في الشمع ليس من جنسها …ألا وهو الفتيلة ، التي ستحترق وتحرقها ….
وهكذا يجب علينا انتقاء من يناسبنا من البشر ،حتى لا نحترق بسببهم ونبكي …..
شقيقي وحبيبي …..
اليوم أراني أكثر تحديقا بالشمع لعلني أراك ….
وأكثر مرارة حين أراه يبكي معلنا حقيقة البشر …
.وأعجب من رسالتك وقد رحلت وأنت ابن الثامنة عشر عاما ….كم من الحكمة بلغت لانتقاء هاتين الحكمتين !
وأي سر طوتة الأيام في قلبك الكبير !
أم أنك عانيت الفرقة والغربة حين غادرتنا للالتحاق بوحدتك العسكرية النائية ….
أم هل ساقك الحدس إلى الغرق في غربتك العميقة القادمة ،غربة الموت التي لا بعدها غربة ، ولا مثلها غياب ….
فيا لطول غيبتك ويا لوجع غربتك !!
ويااااالحنيني وشوقي لرؤيتك !!