لا نرضى لوطننا أن تطعن حكومته في حرمة وقوة قوانينه التاريخية الثورية

مهما كانت المبررات التي اضطرت حكومة عبد الإله بن كيران إلى تمرير قوانين الصحافة الجديدة الكارثية، فإن حجم الإهانة والاستخفاف بقوة ظهير الحريات العامة لسنة 1958، يعتبر جريمة شنعاء يستحق أصحابها أقصى العقوبات الجنائية .. خصوصا، إذا كان هذا الظهير الشريف لم يفقد بعد قوته في التلاؤم مع الواقع الصحفي والإعلامي الراهن، ولا تشكل مواده عرقلة في وجه تطور وعصرنة وعقلنة المشهد الصحفي والإعلامي.

إن المغرب كان في طليعة الدول النامية التي اعترفت بمنظومة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولم يتخلف عبر دساتيره المتعاقبة على ديباجة الجانب التحرري والحقوقي في هذه الدساتير، وظل على التزامه بالنسبة لما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في تفسير شروط الترخيص بإنشاء الصحف وحماية حقوق ممارسي الصحافة والإعلام، بعيدا عن الشروط التعجيزية والتطبيقية التي كان خصوم الديمقراطية وحقوق الإنسان عبر تاريخه يتطلعون إلى تكريسها وفشلوا في محاولاتهم إلى حين صياغة هذه القوانين الجديدة، تحت شعارات التقنين والتنظيم والتحديث لفرض سلطتهم و وصايتهم على الصحافة والإعلام، ومنع الفاعلين من الحق في التفكير والصياغة لمشاريع القوانين الجديدة المكرسة لثمار ظهير الحريات العامة لستة 1958، والارتقاء بالعمل الصحفي والإعلامي وفق ما يعرفه من تطور تقني ومعرفي وقانوني وديمقراطي وحداثي على المستوى العالمي.

إن مدونة الصحافة والنشر، التي يلوح بها خصوم حرية الصحافة واستقلالها ودورها في الارتقاء بوعي المواطنين الحقوقي والسياسي والاقتصادي والثقافي، والتي صيغت على عجل لإرضاء وتمكين حزب العدالة والتنمية من إسكات معارضيهم من كافة الطوائف والقبائل الحزبية والإيديولوجية، والتي تم تمريرها بالاعتماد على الأغلبية التي كان يمتلكها هذا الحزب في مجلس النواب، لا يمكن الاطمئنان إلى القيود والحواجز التي تسير بها في المشهد الصحفي والإعلامي الوطني المنتفض اليوم ضد محاولات إقرارها بدون مراجعتها وغربلتها من أعطابها وأخطائها، في القوانين الثلاثة التي تتكون منها في أفق خنق تطلعات المغاربة في التحرر والتطور والحكامة والحداثة والانخراط في التحولات العالمية السريعة في جميع المجالات التي يشهدها النظام العالمي الجديد.

حينما نؤكد على عدم رضانا على المدونة التي رفضها حتى المساهمون في صياغتها، لا يعني بالنسبة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، التي تقود المعركة ضدها (المدونة) .. خصوصا، ضد القانون رقم 88/13، الذي يشكل قانونا لتنظيم المقاولات الصحفية والإعلامية الاستثمارية، وليس المؤسسات الصحفية التي ينظمها الظهير الشريف المتعلق بالحريات العامة الصادر سنة 1958، الذي يراد اليوم الإجهاز عليه من خلال هذه المدونة المطعون في شرعيتها، والتي تتطلب اليوم المراجعة والتجويد والتقويم من جديد، حتى تكون ملائمة لمقتضيات ظهير الحريات العامة الذي لم يستنفذ كل عناصر بقائه وقوته حتى الآن، والذي يعد مفخرة للوطن، تجب صيانتها واستمرار العمل بها، وللتذكير، فنحن في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نعتبر المدونة سلة قانونية واحدة يجب أن يكون على رأسها القانون المؤسس للمجلس الوطني للصحافة، الذي يملك وحده صلاحية صياغة القوانين وتطبيقها وتعديلها، وفق ما تتطلبه الممارسة المهنية في الصحافة والإعلام، سواء على مستوى الحقوق والواجبات.