رسالة إلى السيد عبداللطيف الحموشي حماية المواطن الصالح (البركاك) مسؤولية من؟

عبدالمجيد مصلح

إذا كانت المعرفة تشكل ضرورة للإنسان كي يواكب عصره كعنصرٍ واعٍي و مؤثر في دائرة تواجده، فإن معرفة دائرة المواطن الصالح المرشد (البركاك) في المقابل تشكل ضرورة قصوى للدولة، ذلك أنه يبلغ حدا من الأهمية يجعله يقرر مصير الشعب و الدولة، رغم أن المواطن الصالح (البركاك) كان يعتبر ولازال نشاطه غامضا ومنبوذا و من يقوم به خائن.

 صحيح أن في أيامنا هذه تبدلت نظرة الناس تجاه المواطن الصالح (البركاك)، لأن المعلومات التي يقدمها أصبحت تمثل جزءا أساسيا من النظرية الأمنية المغربية، فتوافر المعلومات الدقيقة منح الأجهزة الأمنية المخابراتية القدرة على توجيه ضربات قاسية و خاطفة للمنحرفين و مروجي الممنوعات و مافيا العقار و الإرهابيين و غيرهم، و هذا ما أدى إلى تقليص عدد المتربصين بالمملكة، الأمر الذي سمح بعيش حياة طبيعية.

 كما أن العامل الديني و إمارة المؤمنين تعتبر ذرعا واقيا يزيد من حماس المواطن الصالح للدفاع عن المقدسات رغم  مشاكل العصر و التغييب و الخضوع و التهميش، المواطن الصالح سيدي المدير العام للأمن الوطني و مراقبة التراب الوطني، هو الكاشف عن المعلومة الاستخباراتية، و هو كالسلاح الخفي المهم، و من الواجب العمل على الحفاظ عليه لأنه ورقة مهمة و ذلك خوفا من وصول العدو إليه، فالمواطن الصالح (البركاك) هو من أهم عناصر الترسانة التي تتوفر عليها المؤسسة الأمنية، هو الكاشف عن نقاط ضعف العدو و عين المؤسسة الاستخباراتية التي لا تنام، فوجوده في مكان مهم أمر لا يُقدر بثمن، لذا فإن الدول المتقدمة تنفق في ميزانيتها الاستخباراتية بما يوازي التسليح و التطوير، و لأهميته تضع الدول المتقدمة تشريعات و قوانين لحمايته لتقييم عمله و جهده الاستخباري و لتبسط يد المؤسسة الاستخباراتية كي تكون قادرة على حماية مصادرها ليس معنويا فحسب و إنما ماديا أيضا مع حماية ذويهم.

عُرف مكتب الاستعلامات العامة التابع للمديرية العامة للأمن الوطني، بجمع المعلومات و تحليلها، و بنتيجتها نهضت المملكة المغربية، و تقوضت دعائم أخرى انطلاقا من مدى إتقانها لفنون الحصول على المعلومات، و حسن استخدامها، و بخاصة تلك التي تحتاجها في استمراريتها و تعزيز وجودها، هذا الجهاز الذي كان يسمى في السابق (المكتب السياسي) يشكل الخط الدفاعي الأول الذي تعول عليه المملكة المغربية، و ينصب الهدف الرئيس للأجهزة الاستخباراتية على كل ما يتعلق بالأمن الداخلي و الأحزاب و الجمعيات و المنظمات و الهيئات الحقوقية و الوداديات و التعاونيات و غيرها من الهيئات المنتشرة في المغرب.

لكن وللأسف الشديد أصبح هذا الجهاز الفذ يعاني من أمراض مستفحلة كالترهل و فقدان البوصلة و وجود قيادات غير مهنية و تفشي الفساد الإداري و المالي و نقص الأموال و المعدات الفنية و فقدان المحاسبة و التباس الملفات و فقدان التقييم بل و حتى فقدان الواجب و الخطط و البرامج و أيضا فقدان حلقة الوصل المتمثلة بإدارة المجتمع الاستخباراتي.

فقد أدى استفحال آفة الفساد داخل الاستعلامات العامة التابع للمديرية العامة للأمن الوطني، إلى انهيار سرية المواطن الصالح (المصدر أو المخبر أو المرشد أو البركاك)، فصار من السائد استغلال المواطن الصالح بشكل بشع، و أصبح دجاجة تبيض ذهبا لدى البعض من ضباط الاستعلامات العامة الفاسدين الذين لم يتورع البعض منهم عن تسليم هوية المواطن الصالح (البركاك)، حيث وصل الأمر بأحد الضباط إلى استثمار معلومات مهمة لحسابه ربما لينال رضى مسؤولي الإدارة الترابية و فضح المواطن الصالح بذكر اسمه بالكامل و السؤال الذي يطرح نفسه بقوة "ما هو عدد المرات التي استعمل فيها هذا الضابط المعلومات التي تحصل عليها و فيم استخدمها و هل ممكن اعتبار هذا الضابط أهل ثقة أم يجب عقابه كما يعاقب الجاسوس الذي يتسلل بيننا دون أن نعلم شيئا عن هويته" و مثله  أسئلة كثيرة ندعو السيد المدير العام للأمن الوطني و مراقبة التراب الوطني ليقوم بنبشها و فتح تحقيق جدي حولها لمعرفة الصالح من الطالح من داخل هذه المديرية (المكتب السياسي)…؟

و في نفس السياق تتم للأسف إهانة المواطن الصالح (البركاك) دون  احترامه بتركه منتظراً أمام بوابات رؤساء أقسام الاستعلامات العامة لساعات، بلا مراعاة للسرية، عدا عن تهديد الإعلاميين و الجمعيات و السياسيين الفاسدين و غيرهم لكل من يتعاون مع الأجهزة الاستخباراتية و اتهامهم ب(الخونة و البركاكة و العطاية).

إن الخرق الكبير و فقدان دور الرقابة الأمنية و اختلال معايير تعيين الضباط بحسب المزاجية و فقدان الاختصاص و تسيب المحاسبة و تقييم الأداء و عدم حماية المواطن الصالح رغم  أنه ضروري و إفشاء هويته و عدم حمايته أمنياً و مالياً و معنوياً و عدم وضع قوانين لحمايته و عدم و جود دائرة أمنية خاصة تعمل معه بشكل سري و إهمال المسؤولين له، كل تلك العوامل أوجدت حائطا كبيرا من عدم الثقة و جعل المواطن أي مواطن لا يعطي أية معلومات و لا يخاطر بالتعاون، فأصبح من الصعب تجنيد مصادر لا تثق بأداء الأجهزة الاستخباراتية.

فعدم حماية المواطن الصالح و ضمان حقوقه و سلامته أدى إلى ضعف الثقة بالأجهزة بكل تلاوينها و جعل المواطن يخاف من التفكير بالتعاون مع الاستخبارات لشكوكه بأنها فاسدة و مخترقة و مهملة و ضعيفة و لن تحمي المتعاون معها، و قد تعرض فعلا الكثير من المصادر إلى مضايقات و مشاكل عدة وصلت لحد القتل بسبب اختراق المافيات للمؤسسة الأمنية، بل قد يصل الأمر بمسؤولين بأجهزة الاستخبارات إلى الاستيلاء على رواتب المخبرين المخصصة للجهاز المعني و يأخذ كل هذه المبالغ مقابل كشوف بأسماء وهمية مما ينتج عنه إبقاء مديريته بدون أي مصدر على الإطلاق، و هو أمر لازال مستمرا للأسف فلا زالت أجهزة الاستخبارات بلا رقابة و لا يوجد من يدقق معلوماتها و حقيقة مصادرها، فالجميع يصدر تقاريره بعبارة (بلغ إلى علمنا أو مكتوم) و لم يجرؤ مسؤول ما بالسؤال من هم مصادركم؟ و أين هم ؟و كيف هم؟ و كم تعطوهم من المال؟ و ما هي أساليب حمايتهم أمنيا؟ و كيف يتم تدريبهم و دعم و حماية عائلاتهم؟ و ما هي تقييمات معلوماتهم؟ و أين السيرة الذاتية؟ و منذ متى يعمل معكم و كيف تم تطويره و بماذا تم تجهيزه فنيا؟ و من هو ضابط ارتباطه و بأية محطة مرتبط و تواريخ لقاءاته الدورية؟ و هل تم تقديم خدمات طبية له؟ و هل تم تقييم مستوى الأمان ؟و ما هي تقييمات ضباط الارتباط عنه؟ و أين ملف معلوماته و أين ملفه الإداري و جدول المكافآت؟ و من خلال تجربتي البسيطة أجزم أنه لو تمت مثل هكذا مساءلة لكشفت عن فضائح صادمة (…).