في ركن “شهادات من الرواد”، أدرجنا مقطعا من مقال للوزير والسفير السابق، عبد الرحمان الكوهن، توجه به إلى وزراء حكومة 2012 التي قادت البلاد حوالي عشر سنوات ممتطية شعار: “التغيير” الموروث عن التي سبقتها والمحفوظ للتي أزاحتها وتسببت في اندحارها بهزيمة مدوية وكأنه إرث مضمون مسجل كملكية في المحافظة السياسية للاستغلال الانتخابي خاص بالأحزاب، وقد وظفته في حملاتها كطعم لـ”اصطياد” ما أمكن من الأصوات، وفعلا، صدقت الأحزاب التي تناوبت على الحكم منذ عقود، وفاجأت الرباطيين بتفعيل هذا التغيير على الواقع المعاش، وحصرته بينها دون غيرها، وربما فهمت أنه أداة قانونية أو عرفية لـ”التغيير” في مواقعها طلوعا إلى الحكومة والمجالس الجماعية الحاكمة، وهبوطا إلى المعارضة، وما بين الصعود والهبوط حارت عقول الرباطيين، لأن كل البرامج التي تطبق على المحكومين وطنيا ومحليا، يكون حبرها من مادة مصالح الحاكمين، ولا يهمهم الذين أضاعوا أرواحهم السياسية بالتضحية لرفع حزب معين إلى “قمة” الحكم والتحكم – وهذا هو الواقع – يظهر لهم فاقدي سلطة الأصوات التي استعملت كرافعة لرفع المرفوعين من على الأرض إلى القمة وتجاهلوا المصوتين، بل تركوهم كما وجدوهم إبان الدعاية الانتخابية، يبحثون وينقبون عن صدى التغيير فيكتشفون أنه لا يبرح مربع الحاكمين بسلطاتهم المفوضين بأصواتهم كما كان عند المغضوب عليهم المطرودين على خيانتهم وعلى احتكارهم “مأذونية” التغيير ليغيروا فقط أحوالهم ويعتصموا في “القمة” ومناخها ورفاهيتها، ليبتعدوا عمن هم في الأسفل نتيجة الثقة العمياء في حدوث معجزة “التغيير”، ليس بالأحزاب التي كادت أن تتخصص في قلبه إلى آلة انتخابية للتربع على أرائك السلطات، ولكن في نظام يغير أولا سطوة المنتخبين واحتكارهم لثروة السكان لينعموا بخيراتها ووضعها رهن إشارتهم، ويصحح ثانيا دكتاتورية القرارات التي يقررونها دون الرجوع إلى الكتلة الناخبة، صاحبة مصدر سلطاتهم، ليستطلعوا آراءها قبل اتخاذ أي إجراء يمسها.. فإذا كان من الصعب تنظيم هذا الاستطلاع لعدة أسباب مفهومة، فإن الاستشارة مع عمداء المجتمع الرباطي من نقباء وعلماء، ركن من أركان الديمقراطية لتجديد قوة سلطات المنتخبين حتى تكتسب شرعيتها وشعبيتها، وتفتح النقاش المقفول بأقفال من حديد بين الناخبين وممثليهم، وهذه هوة عميقة تزداد في كل محطة انتخابية اتساعا وابتعادا بين الفاعلين الحقيقيين لحياة الديمقراطية، وهم الناخبون، وقد فقدوا الأمل في الممارسة الانتخابية وفي المكلفين دستوريا بتفعيلها، وهذا لا يخفى على أحد في رحاب عاصمة السياسة “يا حسرة”، فما بالكم بالمدن الأخرى؟
نعم للتغيير، ولكن ماذا نريد أن يتغير؟ ليس استبدال حزب بآخر، وخذوا الإشارة من مجالس الرباط، فلقد تناوبت عليها كل الأحزاب الرئيسية وتغيرت ألوانها في كل هذه المجالس، ولكن هل تغيرت الوجوه الحاكمة؟ لا، لم تتغير، فمنذ عقود وهي نفسها تطالب بالتغيير، بدون خجل، فتكتفي باستبدال قناع بقناع، وتستمر في المنصب.. هذا هو العائق الحقيقي لإجهاض أي نفس جديد للعمل الجماعي وغيره في العاصمة السياسية، فلن تستقيم قواعد الديمقراطية إلا إذا نظمتها قوانين من اقتراح فقهاء محايدين لا يمتون بصلة لأي حزب، هذا هو التغيير المأمول.