بين تقنين زراعة “الكيف” وتقنين تجارة المخدرات
مع كل موسم انتخابي ترتفع أصوات بعض السياسيين المغاربة للمطالبة بضرورة تقنين زراعة القنب الهندي، ولأن السياسيين بغض النظر عن نشاطهم لا يهمهم من هذا الأمر إلا الاستغلال السياسي الذي يمكن أن يتحول إلى أصوات انتخابية، بعد العزف على مشاعر المزارعين المغلوبين على أمرهم، فإنهم يصورون تقنين زراعة “الكيف” وكأنه شرعنة لهذه الزراعة لتصبح بمثابة زراعة عادية مثل زراعة “الدلاح” والطماطم و”اللويزة” والبطاطس، بينما الواقع يفرض أن ينصب هذا النقاش على “الفوائد الطبية” والصحية التي يمكن تحقيقها من خلال هذه النوع من الفلاحة.
تقنين زراعة القنب الهندي هو نقاش يمكن تفهم طرحه داخل المغرب من خلال التطورات الأخيرة المنبثقة عن اتخاذ قرار داخل لجنة المخدرات في الأمم المتحدة، بناء على توصيات منظمة الصحة العالمية، يقضي بسحب نبتة “الكيف” من قائمة المخدرات الخطيرة، بعدما كانت تصنفها الاتفاقية الموحدة حول تعريف المخدرات في العالم في نفس مرتبة مواد خطيرة أخرى، مثل الهروين والكوكايين، منذ ما يناهز 60 سنة تقريبا.
هذا من حيث التطورات الأممية. وقد كان المغرب واحدا من البلدان التي صوتت على إخراج هذه المادة من قائمة المخدرات الخطيرة، شأنه شأن عدة أوروبية، بخلاف دول عربية أخرى. غير أن البعض استغل هذا النقاش العلمي والطبي ليعطي الانطباع بأنه بصدد تحقيق السبق لتحقيق حلم “لفافة حشيش” لكل مواطن؛ بل إن هناك من ذهب به الخيال بعيدا حد الاعتقاد بأن الشرطة لن تتدخل لإلقاء القبض على مروجي ومستهلكي “الكيف”، إذ باتوا يعتقدون أن الوقت حان لإشهار “جواناتهم” في وجه البوليس والمواطنين.
كل ما هنالك، اليوم، هو حديث عن الاستعمال الطبي لنبتة “الكيف”، من الناحية العلمية؛ وهذا الأمر سيحاط بضوابط صارمة، وليس السماح بزراعة ملايين الهكتارات من “العشب” في إطار مخطط لـ”المغرب المكيف”. كما أن ذلك لا يعني بالضرورة تشجيع المزارعين على الاستمرار في هذه الزراعة، لأن هناك ضوابط صارمة في ما يتعلق بالإنتاج غير الطبي وتخزين كميات محدودة جدا.
واحد من السياسيين يقول اليوم إن زراعة القنب الهندي مثلها مثل زراعة العنب لا تصير حراما إلا إذا استخرج منها الخمر، وسياسي آخر يقول إننا السباقون إلى المطالبة بتقنين هذه الزراعة، والعفو عن المزارعين الهاربين من العدالة بتهم تتعلق بزراعة “الحشيش” (وهذا ملف شائك ذو طابع اجتماعي)، لكن من الناحية الواقعية فإن كل ما حصل إلى حد الآن هو الشروع في مناقشة قانون لتنظيم التقنين، خطت خطوطه العريضة وزارة الداخلية، وهو مشروع لا يتضمن أي قبول بتقنين “الاستعمال الترفيهي” الذي سيظل مجرما، بل يكتفي بالإشارة إلى مشروع قانون يتعلق بالاستعمالات المشروعة لـ”الكيف” في المغرب، وفق مساحات جغرافية ومناطق محددة سلفا حسب تراخيص صارمة، ودفتر تحملات متحكم فيه، إذ لا يمكن الإنتاج والتسويق خارج الاستعمال الطبي وتحت مراقبة صارمة للكميات المصرح بها. والأكيد أن الأمم المتحدة التي فتحت هذا الباب لن تفتحه على عواهنه تحت طائلة احترام الضوابط الدولية؛ لذلك يبدو مستبعدا أن تكون للأمر علاقة بمناجم “الذهب الأخضر” كما تصورها البعض