باحثون: الأجر مقابل العمل قاعدة غير دستورية

تخوض الأسرة التعليمية، على امتداد أسابيع متوالية، معركة من أجل إسقاط النظام الأساسي الجديد لموظفي قطاع التربية الوطنية؛ ما جعل المدارس العمومية تعيش على وقع الشلل لاستمرار المحتجين في المطالبة بإسقاط هذا النظام أو تغيير مواده التي وصفوها بـ”المجحفة” في حق الأساتذة، رغم دعوة بعض النقابات نساء ورجال التعليم إلى العودة إلى أقسامهم وتصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية بتفعيل قاعدة الأجر مقابل العمل.
ولأن تطبيق هذا النظام يطرح منذ صدوره علامات استفهام قانونية وتربوية وبيداغوجية عديدة؛ من قبيل إشكالية أيهما أسمى الدستور أم القانون؟ ولمن الأولوية القانون الوطني أم الدولي؟ وما أثر ذلك على الاستمرارية البيداغوجية؟ وإلى حد سيضمن هذا القرار تراكم التعلمات والمهارات؟ وبأي معنى يمكن الحديث عن امتناع الأساتذة عن إنجاز الدروس التي كانت مبرمجة خلال فترة الاقتطاع؟ وإلى أي حد ستعوضهم الوزارة إذا قاموا بتعويض هذه الحصص؟.
ربيع بورحيم، الباحث في القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء، قال إن “المرسوم رقم 2-23-819 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية جعل، منذ صدوره في شتنبر الماضي، قطاع التعليم على صفيح ساخن، بعدما توحدت 17 تنسيقية في إطار التنسيق الوطني لقطاع التعليم؛ ما أدى بالنقابات الأربع ذات التمثيلية إلى إصدار بيانات احتجاج ورفض للمرسوم المذكور، وخوض إضراب عام وطني واعتصامات ومسيرات نتج عنها ضياع أكثر من 8 ملايين ساعه من الدراسة، وربما الدخول في سنة بيضاء. وقد أدى هذا الأمر بالوزارة إلى التهديد بتطبيق مسطرة الاقتطاع من أجور الأساتذة المضربين الذين اعتبرتهم في غياب جماعي، وهذا دفع الأساتذة إلى التهديد بعدم استدراك الحصص الدراسية وعدم إجراء فروض المراقبة المستمرة”.
وأضاف المتحدث نفسه: “هذه القاعدة تتعلق بعلاقات ترد في قانون الشغل وفي إطار تعاقدي مؤسس على علاقة تبادلية بين طرفي عقد الشغل أي المشغل والأجير، ولا يمكن تطبيقها في إطار علاقه نظامية ينظمها قانون الوظيفة العمومية؛ لأن العلاقة التي تربط الموظف بالإدارة ليست علاقه شغلية تعاقدية مبنية على قانون الالتزامات والعقود.. وبالتالي، فمشروعية الاقتطاع الذي تهدد به وزارة التربية الوطنية لا أساس قانوني لها ولا يسري على هذه الفئة من الموظفين”.
وتابع الباحث في القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء قائلا: “حتى الاجتهاد القضائي لا يمكن الارتكاز إليه في هذه الحالة؛ لأنه لكي يكون اجتهادا قضائيا فلابد أن تتواتر الأحكام القضائية وتستقر في دراستها لهذا الموضوع حتى يمكن اعتبارها اجتهاد قضائيا، والحال حكم هنا وآخر هناك، لذا لا يمكن اعتبار ذلك اجتهاد قضائيا”.
وأردف بورحيم متسائلا: “كيف يمكن اعتبار الإضراب تركا غير مشروع عن العمل؟ والحال أن جميع دساتير المملكة، منذ 1962 إلى غايه دستور 2011، أكدت أن تنظيم حق الإضراب من اختصاص القانون التنظيمي، وهذا الأخير يسمو في تراتبيته على التشريع العادي أي القانون والمراسيم ومختلف المناشير، ولا اجتهاد قضائي في وجود النص القانوني. وقد نص الفصل 29 من دستور 2011، في الباب الثاني الخاص بالحقوق والحريات، أن “حق الإضراب مضمون ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته”؛ وبالتالي لا يمكن مصادرة حق الإضراب إلا بتطبيق القانون التنظيمي ولا يجوز الارتكان إلى مراسيم ومناشير كمطية للتطاول على هذا الحق الدستوري وعلى اختصاص القانون التنظيمي”.
ولفت الباحث ذاته إلى أن “النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية لسنة 2003 والمرسوم الصادر في 6 أكتوبر 2023 الذي يرفضه موظفو وزاره التربية ينصان على أن من مهام هيئة التدريس هي: التدريس وتصحيح الامتحانات والمشاركة في تنظيم الامتحانات… وبالتالي هذه المهام يؤديها الأستاذ بناء على غلاف زمني محدد وفق استعمال زمني مؤشر عليه من طرف الإدارة؛ لكن مع إضرابات الأساتذة لجأت الوزارة إلى التهديد بالاقتطاع وفق قاعده الأجر مقابل العمل؛ في حين رد الأساتذة بعدم استدراك الحصص وعدم إجراء فروض المراقبة المستمرة على اعتبار أن الأستاذ لا يمكنه إعادة درس أو فرض محروس، ليوم تم اقتطاع أجره، بناء على القاعدة نفسها، أي الأجر مقابل العمل”.
وذكر المتحدث ذاته بالمصادقة على مشروع القانون التنظيمي للإضراب في المجلس الوزاري وأمام الملك محمد السادس، وإحالته على البرلمان سنة 2016؛ لكن إلى حد الآن لم تتم المصادقة عليه، وهو ما يعتبر تقصيرا من الحكومة والسلطة التشريعية. لذلك، لا يمكن إعمال قوانين ومراسيم صدرت قبل دستور 2011 بعقود وتصويبها على رقاب الأساتذة، مشيرا إلى أن الفصل 75 مكرر من قانون الوظيفة العمومية الذي تتحجج به الوزارة كأساس قانوني للإقطاع، عند تطرقه لحالة ترك الموظف لعمله بصفة نهائية، فهو لم يشر إلى حالة الإضراب.
وعلاقة برفض وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة الجلوس مع التنسيقيات على اعتبار أن الدستور لا يعترف إلا بالنقابات كمؤسسات للتفاوض، سجل الباحث أنها تجسد هنا بشكل جلي ازدواجية معايير الوزارة؛ فهي من جهة تجهز على حق الإضراب كحق دستوري، وتتشبث بمرتكز دستوري الذي هو التفاوض مع النقابات؛ والحقيقة أن المسوغ القانوني الذي تتشبث به الإدارة في تطبيقها للاقتطاع من أجور المضربين هو نفسه المسوغ القانوني الذي يتشبث به الأساتذة في رفضهم تقديم دروس وإجراء فروض في زمن مدرسي تم اقتطاع أجرتهم فيه بناء على قاعدة الأجر مقابل العمل، أي أن الأستاذ في هذه الحالة يصير في علاقه تعاقدية وليست نظامية ويقتضي ذلك عدم القيام بعمل غير مؤدى عنه أو تم اقتطاع أجره، يعني أن أي استدراك سينجز خارج الغلاف الزمني من حق الأستاذ أن يطالب بتطبيق مرسوم التعويض عن الساعات الإضافية؛ وهكذا يصير التلميذ رهينة تعنت الوزارة وتماطل استجابتها لمطالب موظفيها الذين أجمعوا على رفض النظام الأساسي الجديد، بل أكثر من ذلك فالوزارة ماضية في إفقاد شرعية شريكها الدستوري الأساسي المتمثل في النقابات، والتي هي وسيط اجتماعي بينها وبين مختلف أطرها وإضعاف وتقزيم أدوارها في الوساطة والسلم الاجتماعي.
من جانبه، قال العربي بوعودة، المحامي بهيئة مراكش، إن قرار الاقتطاع من أجور الشغيلة التعليمية هو قرار تعسفي لعدم دستوريته، في الوقت يعتبر فيه الإضراب حقا دستوريا يتميز بالسمو عن المرسوم المنظم لمسألة الأجر مقابل العمل.
وأضاف بوعودة: “الوزارة هي التي كانت سببا وراء الاحتقان واحتجاج الأساتذة؛ لأنها هي من كانت وراء صدور النظام الأساسي، وبالتالي فهي من تتحمل مسؤولية هذا الاحتقان، أمام الإجماع السائد على أنه يتضمن مقتضيات تضرب في العمق مكتسبات هيئة التدريس.
ونصح المحامي بهيئة مراكش وزارة التربية الوطنية بعدم اللجوء مباشرة إلى قرار الاقتطاع إلى حين إيجاد الحلول المناسبة، مؤكدا “حق نساء ورجال التعليم في ضمان حقوقهم عبر مراسلة مؤسسات الدولة كالوسيط مثلا، وممارسة حق الطعن في قرار الاقتطاع أمام القضاء الإداري، في غياب القانون التنظيمي المنظم للإضراب وما ستبينه أحكامه من حالات الإضراب المشروع وغير المشروع”.
يذكر أن المغرب يعتبر عضوا في منظمة العمل الدولية والاتفاقيات الدولية، لذلك مقتضيات المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب ووافق على نشرها ترجح على أحكام القانون الوطني الداخلي، وفق ما جاء في تصدير لدستور فاتح يوليو 2011؛ الشيء الذي يستنتج منه بأن تلك الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب في مجال ممارسة حق الإضراب تعتبر أسمى من القوانين الوطنية، وبذلك تكون ممارسة الحق في الإضراب قد حظيت بالدعم والتأييد الكاملين سواء على مستوى القوانين الداخلية، وأيضا على صعيد المواثيق الدولية طالما لم تتعارض مع القوانين الوطنية الأمر الذي تبنته مجموعة من الاجتهادات القضائية.