الميزانية السايبة كتعلم السرقة…ومجالس للمراقبة والحسابات من دون جدوى
عبدالمجيد مصلح
إنه مثل شعبي متوارث منذ الأزمنة الغابرة ذلك الذي يقول: "المال السايب كيعلم السرقة" لكنه تطور ليصبح "الميزانية السايبة كتعلم السرقة" فما ينطوي عليه من حكمة بالغة، ودروس معنوية شاملة تعالج جانبا سلبيا من مظاهر الحياة العامة للمغاربة فمصطلح "السايب" يوحي بالفوضى، التسيب، غياب المراقبة المستمرة، الزجر، العقاب، قلة الحياء، عدم الوفاء، خيانة الأمانة، غدر الثقة والإخلال بالواجب… ومايترتب عن كل ذلك من تفسخ أخلاقي، انحلال القيم والمبادئ الإنسانية، حب الذات تغييب الضمير وترجيح كفة المصلحة الخاصة على المصلحة العامة
والسرقة كما هو معلوم فعل مشين، ومرفوض عبر التاريخ تشوبه خفة اليد وشغف الإيمان، ويحركه دافع الفقر ،الحاجة،البطالة والاتكالية، والفاعل اللص شخص منعدم الضمير، عديم الجدوى والقيمة في مجتمعه، شخص وضيع لاأخلاق ولا عزة نفس له… همه الوحيد أن يملأ جوفه بكل ماترغب نفسه فيه، وتطاله يده وترمقه عينه، لا يؤتمن على شئ مهما بخس أو غلا ثمنه، يعيث فسادا في الأرض نهارا جهارا، دون أن يرف له جفن، أو يؤنبه ضمير، فالمال السايب والسارق وجهان لعملة واحدة يكملان بعضهما البعض، وينطبق عليهما المثل العربي المأثور "وافق شن طبقة" فمن جهة المال السايب عادة مايكون سهلا ووافر، لاحسيب ولارقيب عليه، ومصدره يكون متسخا بفعل التبييض أو الاختلاس أو النصب والاحتيال، وغالبا ماتشم منه رائحة النصب، التهريب والتزوير، وأحيانا أخرى يكون محصلا من سرقة أموال الشعب في شكل ضرائب وجبايات ورسوم توضع بين أياد غير أمينة فتعبث بها وتوظفها لخدمة مصالحها الخاصة إلى أن يفتضح أمرها فيكون الأوان قد فات وما الاختلاسات التي تحصل في الوكالات البنكية وبعض الجماعات المحلية والمؤسسات الاجتماعية إلا خير دليل على ذلك ولعل القاسم المشترك بين هؤلاء اللصوص المحترفون عامل الأناقة والسيارات والابتعاد عن كل الشبهات
كما يكون نصيب من المال السايب للعاهرات وراقصات الكباريهات وللجميلات والخليلات حيث لايبخل السارق عليهن ببعض منه، فيعلقه وهو في حالة سكر طافح على (…)، وهن يلتففن حوله كأفاعي الأناكوندا…وقد يطالبنه بشراء عقار أو سيارة أو ملابس وعطور غالية الثمن ويلبي لهن رغباتهن طالما أن "فلوس اللبن كيديهم زعطوط" وقد يكون هذا اللص الأنيق مسؤول حسابات بالبنك يحول أموال الزبناء إلى حساب خاص وقد يكون رئيس جماعة محلية أو مدير مؤسسة مالية أو مدير عام للقرض الفلاحي أو السياحي أو الضمان الاجتماعي أو مسؤول بإحدى المصالح الترابية والمخابراتية أو موظف سامي.
ولعل ماتطلعنا به الصحف الوطنية من فضائح هؤلاء اللصوص المتمرسين والأنيقين كفيل بأن يوصل المعنى والهدف المرجو من كل هذا وذاك، هذه مساهمتنا في فضح هؤلاء الشلاهبية المندسين في إدارتنا العمومية منها والخصوصية، حيث يكشف المجلس الأعلى للحسابات العديد من الاختلاسات والاختلالات بالعديد من الإدارات لكن ماذا يحصل بعد ذلك وهو في حالة سراح ينعم بما اختلست يداه ويضحك على ذقون هذا الشعب الذي يحاكم فيه سارق الدجاجة، ويخلى سبيل أمثال هؤلاء المحظوظون بالتحايل على القانون طبعا. وقد تضيع القضية بين ردهات المحاكم أو تحفظ أو يدعي المتهم فيها الجنون ومرض الزهايمر وقد يحظى بالامتياز القضائي أو الحصانة البرلمانية لتشيع أموال الشعب وتنهار معها القيم الأخلاقية والإنسانية وتندحر تدريجيا روح المواطنة والمسؤولية، فيحاكم مرتكب المال العام بفعلته فيظل حرا طليقا يدخن السيجار الكوبي ويركب أفخر السيارات ويسكن أفخم الفيلات، تنفتح أوداجه وتكتنز مؤخرته وتتورد خدوده وتملس وهذه الظاهرة جلية بجريرة ولكم الخيار في تسمية المدينة، التي نتحدث عنها في هذا التحقيق.