الحكم على مدونة بتهمة “الإساءة للإسلام” يقسم حقوقيين في المغرب
مواقف حقوقية رافقت ملف مغربية أدينت بتهمة “الإساءة إلى الدين الإسلامي”، على خلفية “تدوينات” على حسابها الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.
وأدانت “حركة خميسة” الحكم على المدونة ابتدائيا بسنتين نافذتين، قائلة إن ما كتبته فاطمة كريم “يدخل في باب حرية التعبير وحرية المعتقد”، وطالبت بإطلاق سراحها وإسقاط المتابعة في حقها.
الحسن الإدريسي، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، قال إن الملف يقتضي “أخذ مسافة احتراما للقضاء”، وللتحقق من “احترام المحاكمة العادلة”، وأضاف أنه في مرحلة الاستئناف “لا بد أن تنصب المنظمة محاميا لمتابعة سير المحاكمة”، علما أن الهيئة بصدد دراسة الملف، وتبقى في “حيادٍ للملاحظة”.
عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، قال إنه من الناحية الحقوقية “يوجد خرق حقوقي في مستويين، أولهما حرية التعبير والنشر؛ لأنها كتبت ‘تدوينة’، وبما أنه توبع في السنوات الأخيرة عدد كبير من المدونين فقط على النشر، فيجب أن يوسَّع قانون الصحافة والنشر ليشمل المدونين، ما داموا لا يمسون أعراض الناس لا بالسب ولا بالشتم”.
أما ثاني جوانب “الخرق الحقوقي” فترتبط بـ”حرية المعتقد والضمير بالنسبة لغالي، الذي ذكر أن “هذا نقاش يعيدنا إلى الفترة التي سبقت دستور 2011، وكان فيها حديث عن التنصيص على حرية المعتقد؛ لكن مع الأسف خرج الدستور بصيغة أن الإسلام دين الدولة، وتم إغلاق قوس حرية المعتقد”.
وتابع غالي في تصريح لـ هسبريس: “المشكل الذي عندنا في المغرب كحقوقيين ومجتمع مدني أن التعامل يكون فقط بردود فعل، وعندما لا تكون عندنا حالة اعتقال أو متابعة فلا يكون مثل هذا النقاش”، وعاد إلى السنة الماضية 2021 “عندما اعتقلت سيدة لتحريف آية، فكانت ضجة كبيرة ونقاش حول حرية المعتقد والكتابة والنشر، لكن مع الأسف بعدما أطلق سراحها طوي الملف”.
وتأسف الحقوقي لعدم التمكن من “تنظيم نقاش مجتمعي حول حرية المعتقد، والحديث عن مجموعة من الفئات في المغرب، خاصة معتنقي المذهب الشيعي أو المسيحيين المغاربة، الذين لا يُتحدث عنهم رغم معاناتهم، خاصة في ما يتعلق بممارسة شعائرهم الدينية”، وزاد: “هذه مسؤوليتنا أيضا لفتح النقاش حول حقوق هذه الأقليات الدينية في المغرب، علما أن مستجدات مثل نتائج الزواج المختلط لم تستوعب بعد، في ظل ظهور أجيال جديدة من المغاربة ينبغي استيعاب وضعها بنقاش مجتمعي”.
عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، ذكر أن الحكم القضائي، من الناحية القانونية، مبني على أسس قانونية يتضمنها القانون الجنائي، ثم استدرك قائلا: “لكن حقوقيا نعتبر أن الاستناد إلى نصوص القانون الجنائي في قضايا مرتبطة بحرية التعبير من السلوكيات التي طبعت الأحكام مؤخرا، خاصة المتعلقة بالرأي”.
وتابع المصرح ذاته: “لقد طالبنا بالاستناد إلى قانون الصحافة والنشر، في مثل هذه القضايا، علما أن مادته 27 قد حددت من بين وسائل العلنية ‘الصياح’، ما يبين أنه يسري على كل المغاربة، مع العلم أن من مبادئ المحاكمة العادلة أنه إذا وجد القاضي نَصَّين يلجأ إلى القانون الأخف والأصلح بالنسبة للمتابع”.
ويرى تشيكيطو في هذه الحالة أنه “بغض النظر عن ممارسة السيدة حقها في حرية التعبير فحرية الرأي والتعبير مرتبطة بالمسؤولية، والمغاربة يعتبرون في المس بالدين استفزازا لهم ومسا بمقدساتهم، والمفروض الانتباه لهذا”، مردفا: “حتى من أراد فتح نقاش عليه مراعاة هذا المعطى. والمغاربة منفتحون على الحوار، لكن الصيغة قد تستفز، ويجب أخذها بعين الاعتبار”.
وسجل الحقوقي ذاته وجود “تجارب عديد في دول بأمريكا وأوروبا ترى أن حرية التعبير لها حدود، فاعتمدت قوانين تجرم، في فرنسا مثلا، معاداة السامية بالإدانة والمحاكمة”؛ وزاد: “لكل الدول حدود في الحرية”.
واستدرك المتحدث ذاته: “لكننا كنا نتمنى تحاشي المحاكمة في مثل هذا الملف. وبما أن المتابعة تمت نرجو اللجوء إلى قانون الصحافة والنشر، علما أنه في السنة الماضية جرى تخفيف الحكم في المرحلة الاستئنافية في ملف مماثل يتعلق بتحريف آية قرآنية، وهذا الحكم القضائي في الاستئناف كان يفترض اعتباره نموذجا”.
وبحسب المعطيات الواردة في محضر القضية فقد باشرت مديرية الأمن الوطني الأبحاث بشأن ما دونته المدونة، وتم تشخيص هويتها والاستماع إليها والتحري عن الغرض من نشرها وأسبابه، والبحث معها في ما إذا سبق أن نشرت مثل هاته “التدوينات” في السابق.
وبعد مواجهتها بالمنسوب إليها، وإخضاعها لبحث أولي، يفيد المحضر بأن المعنية “اعترفت بأن الحسابين على موقع التواصل الاجتماعي يخصانها، وتستعمل بهما الرقم الهاتفي الخاص بها؛ كما أقرت بأنها تضع بحسابها المذكور مجموعة من ‘التدوينات’ المسيئة للدين الإسلامي، عازية ذلك إلى ممارسة حقها الدستوري في حرية التعبير”.