ليلة نوبة الأصبهان و الإنشاد الصوفي تتكامل بصوت مزمار داود بالعرائش
بقلم :عبد القادر العفسي
نظمت جمعية " عشاق الطرب الموسيقى الأندلسية و الصوفية و الإبداع الفني " بالعرائش 29 ماي من السنة الجارية أمسية كل الأمسيات تحمل عنوان " جلسة الولاعة الأولى " بقاعة الربيع انطلقت حولي العاشرة مساءا بحضور وازن متميز نوعي ، حيث أحيا جوق "عشاق الطرب للموسيقى الأندلسية و الصوفية " ليلة الامتاع عبر مرحلتين الأولى تضمنت أهم نوبات أو التجزيئات بالأندلسي ألا وهي نوبة الأصبهان دون تجزيئ أو (مكرطة) تكامل بها الصوت و الاخراج و الموسيقى ليعقبها الإنشاد الصوفي مع تكريم مجموعة من النساء الفاعلات في مجال الذوق و الإمتاع من الموسيقى الروحية بالعرائش .
مع الاستفتاح مباشرة تناثر " انصراف بسيط الأصبهان " و تداخلت الابيات : (حب الحسان-اشرب على بنت الدنان) ، لتعلن انطلاق النغمات الأصبهانية في الاجواء برِقة و حلاوة و لوعة مُخدر للعقل و الوجدان ، كأنما اختيرت هذه النوبة الاندلسية عن سبق ترصد عميق … ! لما لها من آثار على النفس و وقع سواء من حيث جريان موسيقيها كالماء العذب أو اختطاها للكيان الكلي ، ليشارك الجمهور في الأداء مع الجوق مرددين مقتطفات من النوبة التي وزعت بالبداية ، و قد مزجت النوبات بين الحب و الطبيعة و الإحساس الإنساني مما أثار كوامن النفوس و مكنونات الفؤاد في بعث للشوق المتعلق بالخالق الكافي و المحبوب ، ليتمضهر الوجد و حالة من التهيج الروحي في انس اختيار النوبة تمهيدا للأنوار الصوفية و أنغامها الكاشفة .
و بصرف النظر عن ماهية الأحوال في الحال و من طول العرض الذي امتد الساعتين و النصف و بجوق ضم حولي اثنى عشر عنصر تألق في ألأداء من تجانس في المرافقة و الإيقاع بمستوى عالي جدا و دقيق مع نغمات سجية موزونة زرعت الحب بصوت أحد مزامير دواود المتبقية بالمملكة ذ. " أحمد الدراوي " الذي ترأس الفرقة إضافة إلى وجهه الحسن الجميل ، تلذذ و استلذ الجمهور بصوته و تطابقت حركاته مع ماهية المنطوق به من حب و شوق ، خاصة توشيحات و صنعات و انشاد المتعلق بالوصل مع ذات الاله و ترحال المحبوب الى حالة الغياب في انعكاس للحقائق الباطنة المفعمة بالتفجع و الحنين مما غدّ الروح و شحذ العقل و دخلت مخيلة الحضور في حالة عارمة من تمايل و ترديدات وجدانية بكلمات و قصائد حبلى بالخشية و العشق اللامحدود ، فستنطق الجسد و أعلنت اشتياقها للأزلي الخالد .
ليلة من تجزيئة /نونبة الأصبهانية و الإنشاد الصوفي تحول الاشتباك إلى تشابك بفعل صوت الاطراب العذبة مكسرة التراكم السلبي ، لتُخلف الدمع الصامت و السعادة في آن مع ارتفاع و تشكيل التعاشق بين الحاضرين و المنشد لتتحول النفس الى انوثة و ذكورة بين حواء و أدم في الحب ، بين منطق التكوين و الخلق بالتالي أمسى معه الآلام في الحب استلذاذ لا متناهيا في الِخلقة و مصورها الفاعل الأول الخالق …إذن هو فن الموسيقى الأندلسية التي توعدت الفرقة العرائشية بمد الجمهور بكامل نوبات في خلال الأيام القادمة مع الحفاظ على القوة و الارتقاء الروحي لهذا الفن العريق مع موازاة مع التراث الصوفي .
و لبد من الإشارة هنا في حاشية متن هذا الاحتفال ، فالبرعم من التطور السياسي و الديمقراطي الحاصل و الانفتاح التي تشهده المملكة المغربية من حيث الآلية و الاسلوب و الخطاب ، لكن لازالت القوى المتمردة على الإصلاح و كل القيم الإنسانية تؤكد سيطرتها على مصائر هذا الوطن من كل النواحي خاصة التراث الذي يظل في مربع الرباط و الدار البيضاء ، كأنما مالكي وسائل الاعلام الوطني هي حاضنة لاتجاهاتهم و مصالحهم و عوائلهم دونما غيرهم في المحاصصة و التوزيع ، بحيث يجب أن يكون الاعلام الرسمي للدولة مفتوحا على أبنائه و طاقاته الواعدة المتميزة المتفردة في ايصال الرسائل و كشريك في البناء الثقافي و الحفاظ على الموروث ، اعلام وطني عمومي محترم جاد يكون المجتمع في حاجة اليه ، خلاف الممارسات التسطيح و التزييف الفكري و الاقتصار على الحاضنة في مفهوم تحدي المنطق و تقديم نفس الشخوص المستهلكة ببرامج تقتصر على نوعية الروابط و الصفقة و منطقة جغرافية معينة .