الباحث بلقايد يقارب العيطة الزعرية من خلال عيطة “أوحيدة” (5/2)

الباحث بلقايد يقارب العيطة الزعرية من خلال عيطة “أوحيدة” (5/2)

عبد العالي بلقايد (يسارا) ونخبة من شيوخ العيطة المغربية والموسيقى التقليدية

تعتبر العيطة الزعرية في نظر العديد من الباحثين بأنها عيطة تحريضية ثورية حماسية، على اعتبار أن نصوصها الشعرية الغنائية تعج بمواضيع متنوعة، تؤرخ لشجاعة الفرسان وحماسهم ومواجهتهم للمستعمر، وتوثق أيضا لأحداث التصدي ضد العدو، والجهاد في سبيل الوطن.

إن الشجن والنوستالجيا في العيطة الزعرية “يربطنا بملاحم شعبية كانت أرض ورديغة مسرحا لها، وخريبكة واحدة من مكونات جغرافيتها، كما تشكل جغرافيا المقاومة التي تصدت للآخر الغاصب للأرض”.

في هذا السياق تنشر “أنفاس بريس” هذه الورقة لمجموعة البحث بتنسيق مع الأستاذ عبد العالي بلقايد كمقدمة من أجل “فهم ومقاربة العيطة الزعرية بشكل عام والخريبكية بشكل خاص من خلال عيطة (اوحيدة).

خمسة أقواس مدخل لمقاربة العيطة الزعرية

أولى الأقواس التي توحي بها عيطة “أوحيدة”: هي القلة على مستوى المنطوق، ولكن الكثرة على مستوى المنتوج. إن ما تولد من عيطة “اوحيدة” على مستوى الإنتاج بدائرة الغناء الشعبي يعد بالعشرات من المقطوعات الغنائية .

ثاني الأقواس: إن عيطة “اوحيدة” كانت مصدر إلهام للغناء الشعبي على المستوى الموسيقي، الذي تميز بالرقة، والشجن الندي، الذي لا يصدر فقط عن الآلات الموسيقية، بل عن حناجر الشيخات اللواتي يصدرن أصواتا تناجي بها من فقدن بتحسر وآهات كأنها تخرج من جراح لا يمكن أن تندمل لحجم المصاب .

القوس الثالث: هذا الطابع البكائي مطبوع بطابع روحي، ما يجعل وقعه ندي على الأحاسيس، لأن الجراح أو الفقد هو قضاء وقدر (العاود أو مولاه/ مشاو في يد الله ).

القوس الرابع: إن معالجة هذه الأصناف من الغناء، وجب أن تتغير طرق المعالجة لها، فهي موسيقى ترتبط بمرحلة البدايات، وبذلك فهي باكورة للحضارة المغربية، ورافعة أساسية من روافع الهوية المغربية، كثقافة وحضارة.

القوس الخامس: زاوية النظر يجب أن تتغير، من نظر يحاول أن يكون رأي حولها بتوصيفها أي وصف كان، إلى نظر يضعها في إطار ضمن موسيقى الكثير من الشعوب التي لم تلهم المحلي بل ألهمت العالمي كموسيقى (الريكي، وبوب مارلي، والموسيقى الصوفية بالهند، وباكستان…)

هذا التراث والموسيقى التقليدية بتعبير الكاتب حسن نجمي، الذي أطلق هذا المصطلح على العيطة وكل الموسيقى التي لا تصدر عن الدوائر العالمة، لكي يميزها ويبعد توصيف الغناء الشعبي عنها، لأنه توصيف بمثابة رأي.

التراث لا يمكن أن يكون إلهام فقط للموسيقى بل حتى للآداب على مستوى الحكي، والسرد. فتراثنا به الكثير من الحكواتيات اللواتي ينافسن شهرزاد النموذج المستورد من المشرق، على مستوى الحكي.

إن “النيرية”، و”بنت المعطي”، و”خربوشة”… حكينا الكثير، وقصصنا الكثير من الملاحم، ولكن مع كامل الأسف لم تصل إلى أسماع معالجي الحكي أو السرد. هذا النمط الغنائي إن كان يغلب عليه الطابع الشذري، لأنه يسعى إلى التلميح بدل التصريح، أو لأنه يريد أن يقول الكثير بمنطوق قليل.

(كنا عشران مال/ غدركم بان)

هاتان القطيبتان تتموضعان ضمن الكلام الذي يؤدي إلى الختم، ويشيران إلى الذين يتموقعون خارج البنية الثقافية التي تنطلق منها العيطة والمبنية أساسا على التضحية والبدل، لغاية صد الغاصب للأرض، وهي بنية تهندس التصرفات ، وأي تصرف خارجها غير مستساغ أخلاقيا، وصاحبه يضع نفسه خارج هذه البنية.

وهذا الطابع الشذري المميز للعيطة الزعرية، كان بمثابة بلاغة استطاعت أن تقول بإيجاز الكثير من الأحداث التي كانت منطقة زعير، وورديغة، وتادلة مسرحا لها. هي منطقة عرفت الكثير من الأحداث، باعتبار موقعها سواء قديما أو زمن الاستعمار، فهي ممر تجاري وطريق للمحلات والحركات السلطانية، وباعتبار ارتباط قبائل بنو هلال على الأخص بالجيش السلطاني. دون أن إغفال الأدوار الطلائعية للمنطقة في مقاومة الاستعمار. هذا الطابع المميز للثقافة كسائر الكثير من مناطق المغرب تتمظهر على مستوى التصرف فأنتج الكثير من الملاحم الوطنية من إبداع أبطال شعبيين.